بالأبصار يوم القيامة فنحن نثبت هذه الرؤية، أما كيفيتها وصفتها فلا يعلمها إلا الله.، وليس من حقنا الخوض فيها لأنها من العلم الذى حجبه الله عنا (?).

مسألة نفى الجهة عند الأشاعرة:

إن الأشاعرة جعلوا يداً مع المعتزلة فأنكروا العلو، وجعلوا يداً مع أهل السنة فأثبتوا الرؤية، فقالوا: إن الله يرى لا في جهة، وهذا غير معقول وغير متصور، وقد لاحظت مما تقدم من كلامهم أن إثبات الأشاعرة للرؤية ونفي لازمها – أي الجهة - إنما هو نفي للرؤية نفسها حيث أثبتوا ما لا يمكن رؤيته، لأن نفي اللازم نفي للملزوم.، لذلك كان المعتزالة أكثر منطقية مع أنفسهم حين ذهبوا إلى نفي الأمرين فراراً من الوقوع في التناقض الذي وقع فيه الأشاعرة.

هذا وإن كان قول الأشاعرة بنفي الجهة فاسداً وممتنعاً، إلا أن مقالة المعتزلة والشيعة بنفي الرؤية والجهة أشد فساداً وأعظم امتناعاً من جهة النقل والعقل.

والذي عليه السلف الصالح أن تلك اللوازم - كالجهة والمقابلة ونحوها - ليست ممتنعة، فإذا كانت المقابلة لازمة للرؤية فهي حق، فما كان حقاً وصواباً فلازمه كذلك، لذا يقول الإمام ابن تيمية: " من ادّعى ثبوت الشيء فقد ادّعى ثبوت لوازمه، ولوازم لوازمه، وهلم جرّاً ضرورة عدم الانفكاك عنه" (?).

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "تنازع الناس في الجهة والتحيز وغير ذلك.

فلفظ " الجهة " قد يراد به شيء موجود غير الله فيكون مخلوقا، كما إذا أريد بالجهة نفس العرش أو نفس السموات. وقد يراد به ما ليس بموجود غير الله تعالى، كما إذا أريد بالجهة ما فوق العال.

ومعلوم أنه ليس في النص إثبات لفظ "الجهة" ولا نفيه، كما فيه إثبات "العلو" و "الاستواء" و "الفوقية" و "العروج إليه" ونحو ذلك.

وقد عُلم أن ما ثمّ موجود إلا الخالق والمخلوق، والخالق مباين للمخلوق سبحانه وتعالى، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته.

فيقال لمن نفى الجهة: أتريد بالجهة أنها شيء موجود مخلوق، فالله ليس داخلاً في المخلوقات؛ أم تريد بالجهة ما وراء العالم، فلا ريب أن الله فوق العالَم، بائن من المخلوقات.

وكذلك يقال لمن قال: إن الله في جهة: أتريد بذلك أن الله فوق العالم، أو تريد به أن الله داخل في شيء من المخلوقات. فإن أردت الأول فهو حق، وإن أردت الثاني فهو باطل.

وكذلك لفظ "المتحيز"، إن أراد به أن الله تحوزه المخلوقات فالله أعظم وأكبر، بل قد وسع كرسيه السموات والأرض .. وإن أراد به أنه منحاز عن المخلوقات، أي مباين لها، منفصل عنها ليس حالاً فيها. فهو سبحانه كما قال أئمة السنة: فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه" (?).

فإن أراد الأشاعرة بنفي الجهة أنه ليس في السموات رب ولا فوق العرش إله، وأن محمداً لم يعرج به إلى ربه، وما فوق العالم إلا العدم المحض: فهذا باطل، مخالف لإجماع سلف الأمة وأئمتها.

ثم إن الثابت بالنصوص الصحيحة إثبات الرؤية لله تعالى كرؤية الشمس والقمر، قال: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته. ." الحديث. وهما في جهة، وقد شبه الرؤية بالرؤية، ثم قوله في الحديث الآخر: " إنكم سترون ربكم عيانا " (?)، إثبات للرؤية البصرية التي لا تتم إلا على ما كان في جهة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015