ولقد أخذ الله العهد المؤكَّد على بني إسرائيل أن يخلصوا له العبادة وحده، وأمر الله موسى أن يجعل عليهم اثني عشر عريفًا بعدد فروعهم، يأخذون عليهم العهد بالسمع والطاعة لله ولرسوله ولكتابه، وقال الله لبني إسرائيل: إني معكم بحفظي ونصري، لئن أقمتم الصلاة، وأعطيتم الزكاة المفروضة مستحقيها، وصدَّقتم برسلي فيما أخبروكم به ونصرتموهم، وأنفقتم في سبيلي، لأكفِّرنَّ عنكم سيئاتكم، ولأدْخِلَنَّكُم جناتٍ تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار، فمن جحد هذا الميثاق منكم فقد عدل عن طريق الحق إلى طريق الضلال.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: 12]، أي: " ولقد أخذ الله العهد المؤكَّد على بني إسرائيل أن يخلصوا له العبادة وحده" (?).
قال الحسن: ": اليهود من أهل الكتاب" (?).
قال ابو العالية: " أخذ الله مواثيقهم أن يخلصوا له، ولا يعبدُوا غيره" (?).
قال الطبري: ": وهذه الآية أنزلتْ إعلامًا من الله جلّ ثناؤه نبيَّه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به، أخلاقَ الذين همُّوا ببسط أيديهم إليهم من اليهود، وأن الذي هموا به من الغدر ونقض العهد الذي بينهم وبينه، من صفاتهم وصفات أوائلهم وأخلاقِهم وأخلاقِ أسلافهم قديما واحتجاجا لنبيه صلى الله عليه وسلم على اليهود، بإطلاعه إيَّاه على ما كان علمه عندَهم دون العرب من خفيّ أمورهم ومكنون علومهم وتوبيخا لليهود في تمادِيهم في الغيّ، وإصرارهم على الكفر، مع علمهم بخطأ ما هم عليه مقيمون، يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: لا تستعظموا أمرَ الذين همُّوا ببسط أيديهم إليكم من هؤلاء اليهود بما همُّوا به لكم، ولا أمرَ الغدر الذي حاولوه وأرادوه بكم، فإن ذلك من أخلاق أوائلهم وأسْلافهم، لا يَعْدُون أن يكونوا على منهاج أوَّلهم وطريق سَلَفِهم" (?).
قوله تعالى: {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} [المائدة: 12]، أي: " وأمر الله موسى أن يجعل عليهم اثني عشر عريفًا بعدد فروعهم، يأخذون عليهم العهد بالسمع والطاعة لله ولرسوله ولكتابه" (?).
قال أبو عبيدة: " أي: ضامنا ينقب عليهم وهو الأمين والكفيل على القوم" (?).
قال الطبري: أي: " وبعثنا منهم اثنى عشر كفيلا كفلوا عليهم بالوفاء لله بما واثقوه عليه من العهود فيما أمرهم به وفيما نهاهم عنه" (?).
قال ابن عطية: " ونحو هذا كان النقباء ليلة بيعة العقبة مع محمد صلى الله عليه وسلم، وهي العقبة الثالثة بايع فيها سبعون رجلا وامرأتان فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم من السبعين اثني عشر رجلا وسماهم النقباء" (?).
وفي معنى «النقيب» هنا ثلاثة اقوال:
أحدها: أنه الضمين، وهو قول الحسن (?).
الثاني: الأمين، وهو قول الربيع (?).
والثالث: الشاهد على قومه، وهو قول قتادة (?).
وأصل «النقيب» فى اللغة: الواسع، فنقيب القوم هو الذي ينقب أحوالهم (?).