وفى هذه الشهادة ثلاثة أربعة أقوال:

أحدها: أنها الشهادة بحقوق الناس، وهذا قول الحسن (?).

والثاني: الشهادة بما يكون من معاصي العباد، وهذا قول بعض البصريين (?). وهو كقوله تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس} [البقرة: 143] فكان معناه: أن كونوا من أهل العدالة الذين حكم الله بأن مثلهم يكونون شهداء على الناس يوم القيامة (?).

الثالث: الشهادة لأمر الله تعالى بأنه حق (?).

والرابع: أي: تبيّنون عن دين الله، لأن الشاهد يبين ما يشهد عليه. وهذا قول الزجاج (?).

قال الجصاص: " وجائز أن تكون هذه المعاني كلها (?) مرادة لاحتمال اللفظ لها" (?).

قوله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا} [المائدة: 8]، أي: " ولا يحملنكم شدة بغضكم للأعداء على ترك العدل فيهم والاعتداء عليهم" (?).

قال مقاتل: " يَقُولُ: لا تحملنكم عداوة المشركين، يعني: كفار مكة، {عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا} عَلَى حُجّاج رَبِيعَة وتستحلوا منهم محرما" (?).

قال الزمخشري: " المعنى: لا يحملنكم بغضكم للمشركين على أن تتركوا العدل فتعتدوا عليهم بأن تنتصروا منهم وتتشفوا بما في قلوبكم من الضغائن بارتكاب ما لا يحل لكم من مثلة أو قذف أو قتل أولاد أو نساء أو نقض عهد أو ما أشبه ذلك" (?).

قال السعدي: أي: " كما تشهدون لوليكم، فاشهدوا عليه، وكما تشهدون على عدوكم فاشهدوا له، ولو كان كافرا أو مبتدعا، فإنه يجب العدل فيه، وقبول ما يأتي به من الحق، لأنه حق لا لأنه قاله، ولا يرد الحق لأجل قوله، فإن هذا ظلم للحق" (?).

وقرئ: «شنآن»، بالسكون (?).

قوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]، أي: " اعدِلوا بين الأعداء والأحباب على درجة سواء، فذلك العدل أقرب لخشية الله" (?).

قال مقاتل: "فاعدلوا فَإِن العدل أقرب للتقوى، يعني: لخوف اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-" (?).

قال الطبري: أي: " اعدلوا أيها المؤمنون، على كل أحد من الناس وليًّا لكم كان أو عدوًّا، فاحملوهم على ما أمرتكم أن تحملوهم عليه من أحكامي، ولا تجوروا بأحد منهم عنه، والعدلُ عليهم أقرب لكم أيها المؤمنون إلى التقوى، وإنما وصف جل ثناؤه العَدْل بما وصفه به من أنه أقرب للتقوى من الجور، لأن من كان عادلا كان لله بعدله مطيعًا، ومن كان لله مطيعا، كان لا شك من أهل التقوى، ومن كان جائرا كان لله عاصيا، ومن كان لله عاصيا، كان بعيدًا من تقواه" (?).

قال المراغي: "هذه الجملة توكيد للجملة السالفة للعناية بأمر العدل وأنه فريضة لا هوادة فيها، لأنه أقرب لتقوى الله والبعد عن سخطه. وتركه من أكبر المعاصي، لما ينشأ عنه من المفاسد التي تقوض نظم المجتمعات، وتقطع الروابط بين الأفراد، وتجعل بأسهم بينهم شديدا" (?).

قال السعدي: " أي: كلما حرصتم على العدل واجتهدتم في العمل به، كان ذلك أقرب لتقوى قلوبكم، فإن تم العدل كملت التقوى" (?).

قال الزمخشري: " نهاهم أولا أن تحملهم البغضاء على ترك العدل، ثم استأنف فصرح لهم بالأمر بالعدل تأكيدا وتشديدا، ثم استأنف فذكر لهم وجه الأمر بالعدل وهو قوله: {هو أقرب للتقوى}، أى: العدل أقرب إلى التقوى، وأدخل في مناسبتها، أو أقرب إلى التقوى لكونه لطفا فيها. وفيه تنبيه عظيم على أن وجود العدل مع الكفار الذين هم أعداء الله إذا كان بهذه الصفة من القوة، فما الظن بوجوبه مع المؤمنين الذين هم أولياؤه وأحباؤه؟ " (?).

قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [المائدة: 8]، أي: " واخشوا الله بما أمركم به" (?).

قال الماتريدي: أي: واتقوا الله "في ترك ما أمركم به، وارتكاب ما نهاكم عنه" (?).

قال المراغي: " أي: واتقوا سخطه وعقابه" (?).

قال الطبري: أي: " واحذروا أيها المؤمنون، أن تجوروا في عباده فتجاوزوا فيهم حكمه وقضاءَه الذين بيّن لكم، فيحلّ بكم عقوبته، وتستوجبوا منه أليم نكاله" (?).

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]، أي: " إن الله مطلع على أعمالكم، وسيجازيكم به" (?).

قال السمرقندي: أي: "من الطاعة وغيره" (?).

قال مقاتل: " يعظهم ويحذرهم" (?).

قال الثعلبي: أي: " عالم بما تعملون مجازيكم به" (?).

قال ابن كثير: " أي: وسيجزيكم على ما علم من أفعالكم التي عملتموها، إن خيرًا فخير، وإن شرا فشر" (?).

قال الطبري: أي: " إن الله ذو خبرة وعلم بما تعملون أيها المؤمنون فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، من عمل به أو خلافٍ له، مُحْصٍ ذلكم عليكم كلّه، حتى يجازيكم به جزاءَكم، المحسنَ منكم بإحسانه، والمسيءَ بإساءته، فاتقوا أن تسيئوا" (?).

قال المراغي: لأن الله "لا يخفى عليه شىء من أعمالكم ظاهرها وباطنها، واحذروا أن يجازيكم بالعدل على ترككم للعدل، وقد مضت سنته فى خلقه بأن يجعل جزاء ترك العدل فى الدنيا الذلة والمهانة للأمم والأفراد، وفى الآخرة الخزي يوم الحساب" (?).

الفوائد:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015