التفسير:
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه لا تتعدَّوا حدود الله ومعالمه، ولا تستحِلُّوا القتال في الأشهر الحرم، وهي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، وكان ذلك في صدر الإسلام، ولا تستحِلُّوا حرمة الهَدْي، ولا ما قُلِّدَ منه; إذ كانوا يضعون القلائد، وهي ضفائر من صوف أو وَبَر في الرقاب علامةً على أن البهيمة هَدْيٌ وأن الرجل يريد الحج، ولا تَسْتَحِلُّوا قتال قاصدي البيت الحرام الذين يبتغون من فضل الله ما يصلح معايشهم ويرضي ربهم. وإذا حللتم من إحرامكم حلَّ لكم الصيد، ولا يحمِلَنَّكم بُغْض قوم من أجل أن منعوكم من الوصول إلى المسجد الحرام -كما حدث عام «الحديبية» - على ترك العدل فيهم. وتعاونوا -أيها المؤمنون فيما بينكم- على فِعْل الخير، وتقوى الله، ولا تعاونوا على ما فيه إثم ومعصية وتجاوز لحدود الله، واحذروا مخالفة أمر الله فإنه شديد العقاب.
في سبب نزول الآية ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها نزلت في شريح بن ضبيعة. وهذا قول ابن عباس (?)، والسدي (?)، وعكرمة (?)، وابن جريج (?).
قال السدي: أقبل الحُطم بن هند البكري، ثم أحد بني قيس بن ثعلبة (?) حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم وحده، وخَلَّف خيله خارجة من المدينة. فدعاه، فقال: إلام تدعو؟ فأخبره، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: يدخل اليوم عليكم رجل من ربيعة، يتكلم بلسان شيطان! ، فلما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم قال: انظر، ولعلّي أسلم ولي من أشاوره، فخرج من عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد دخل بوجه كافر، وخرج بعَقِب غادرٍ! فمرَّ بسَرْح من سَرْح المدينة فساقه، فانطلق به وهو يرتجز (?):
قَدْ لَفَّهَا اللَّيْلُ بِسَوَّاقٍ حُطَمْ ... لَيْسَ بِرَاعِي إبِلٍ وَلا غَنَم
وَلا بِجَزَّارٍ على ظَهْرِ الوَضَمْ ... بَاتُوا نِيَامًا وَابْنُ هِنْدٍ لَمْ يَنَمْ
بَاتَ يُقَاسِيهَا غُلامٌ كَالزَّلَمْ ... خَدَلَّجُ السَّاقَيْنِ مَمْسُوحُ القَدَمْ
ثم أقبل من عام قابلٍ حاجًّا قد قلَّد وأهدى، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه، فنزلت هذه الآية، حتى بلغ: "ولا آمين البيت الحرام". قال له ناس من أصحابه: يا رسول