وبسبب قولهم -على سبيل التهكم والاستهزاء-: إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله، وما قتلوا عيسى وما صلبوه، بل صلبوا رجلا شبيهًا به ظنًّا منهم أنه عيسى. ومن ادَّعى قَتْلَهُ من اليهود، ومن أسلمه إليهم من النصارى، كلهم واقعون في شك وحَيْرَة، لا عِلْمَ لديهم إلا اتباع الظن، وما قتلوه متيقنين بل شاكين متوهمين.
قوله تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ} [النساء: 157]، أي: " وبسبب قولهم -على سبيل التهكم والاستهزاء-: إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله" (?).
قال ابن كثير: " أي: هذا الذي يدعي لنفسه هذا المنصب: قتلناه. وهذا منهم من باب التهكم والاستهزاء، كقول المشركين: {يَا أَيُّهَا الَّذِي نزلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر: 6] " (?).
قال قتادة: " أولئك أعداء الله ابتهروا بقتل نبي الله عيسى، وزعموا أنهم قتلوه وصلبوه" (?).
وفي قوله تعالى: {رَسُولَ اللَّهِ} [النساء: 157]، قولان (?):
أحدهما: أنه من قول اليهود، بمعنى رسول الله في زعمه.
والثاني: أنه من قول الله تعالى لا على وجه الإخبار عنهم، وتقديره: الذي هو رسولي. وهذا قول مقاتل (?).
قوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: 157]، أي: " وما قتلوا عيسى ولا صلبوه ولكن قتلوا وصلبوا من أُلقي عليه شَبَههُ" (?).
قال ابن كثير: " أي: رأوا شبهه فظنوه إياه" (?).
قال مجاهد: " صلبوا رجلا غير عيسى يحسبونه إياه" (?).
عن الحسن قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-لليهود: «إن عيسى لم يمت وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة» " (?).
وفيمن ألقي عليه شبهه قولان:
أحدهما: أنه بعض من أراد قتله من اليهود. وهذا قول ابن عباس في رواية أبي صالح (?)، مقاتل (?)، وأبي سليمان (?).
قال مقاتل: " وكان الله- عز وجل- قد جعله [أي: الشبيه المقتول] على صورة عيسى فقتلوه، وكان المقتول لطم عيسى، وقال لعيسى حين لطمه: أتكذب على الله حين تزعم أنك رسوله. فلما أخذه اليهود ليقتلوه قال لليهود: لست بعيسى أنا فلان، واسمه يهوذا فكذبوه، وقالوا له: أنت عيسى، وكانت اليهود جعلت المقتول رقيبا على عيسى- صلى الله عليه وسلم- فألقى الله- تعالى ذكره- شبهه على الرقيب فقتلوه" (?).
قال محمد بن مروان: "ويقال أن الله وضع في شبه من عيسى على وجه ططيانوس ولم يلق عليه شبه جسده وخلقه، فلما قتلوه نظروا إليه، فقالوا: إن الوجه وجه عيسى وإنما هو ططيانوس، وقد قيل إن الذي شبه لعيسى وصلب مكانه رجل إسرائيلي وكان يقال له إيشوع بن مدين" (?).
والثاني: أنه رجل من أصحاب عيسى، وذلك عندما سأل عيسى من كان معه في البيت أن يلقى على بعضهم شَبهه، فانتدب لذلك رجل، فألقي عليه شبهه، فقتل ذلك الرجل، ورفع عيسى ابن مريم عليه السلام. وهذا قول ابن عباس (?)، وقتادة (?)، ووهب بن منبه (?)، والسدي (?)، وابن أبي بزة (?)، وابن إسحاق (?)، وابن جريج (?).