ورفعنا فوق رؤوسهم جبل الطور حين امتنعوا عن الالتزام بالعهد المؤكد الذي أعطوه بالعمل بأحكام التوراة، وأمرناهم أن يدخلوا باب «بيت المقدس» سُجَّدًا، فدخلوا يزحفون على أستاههم، وأمرناهم ألا يَعْتَدُوا بالصيد في يوم السبت فاعتدَوا، وصادوا، وأخذنا عليهم عهدًا مؤكدًا، فنقضوه.
قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ} [النساء: 154]، أي: " ورفعنا فوق رؤوسهم جبل الطور حين امتنعوا عن الالتزام بالعهد المؤكد الذي أعطوه بالعمل بأحكام التوراة ليقبلوه" (?).
قال محمد صديق خان القِنَّوجي: " أي: الجبل المسمى بالطور بسبب ميثاقهم ليعطوه لأنه روي أنهم امتنعوا من قبول شريعة موسى فرفع الله عليهم الطور فقبلوها" (?).
قال الطبري: يعني: الجبل، وذلك لما امتنعوا من العمل بما في التوراة وقبول ما جاءهم به موسى فيها {بميثاقهم}، يعني: بما أعطوا الله الميثاق والعهد: لنعملن بما في التوراة" (?).
قال النسفي: أي: " بسبب ميثاقهم ليخافوا فلا ينقضوه" (?).
قال ابن كثير: " وذلك حين امتنعوا من الالتزام بأحكام التوراة، وظهر منهم إباء عما جاءهم به موسى، عليه السلام، ورفع الله على رؤوسهم جبلا ثم ألزموا فالتزموا وسجدوا، وجعلوا ينظرون إلى فوق رؤوسهم خشية أن يسقط عليهم، كما قال تعالى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأعراف: 171] " (?).
قال أبو السعود: " {بميثاقهم}، أي: بسبب ميثاقهم ليعطوه على ماروى أنهم امتنعوا عن قبول شريعة التوراة فرفع الله تعالى عليهم الطور فقبلوها أو ليخافوا فلا ينقضوه على ما روي أنهم هموا بنقضه فرفع الله تعالى عليهم الجبل فخافوا وأقلعوا عن النقض وهو الأنسب بما سيأتي من قوله عز وجل: {وأخذنا منهم ميثاقا غليظا} " (?).
قال السمعاني: " الطور: جبل الطور، والميثاق: العهد المؤكد باليمين" (?).
عن مسلم البطين , في قوله: " {ورفعنا فوقهم الطور} [النساء: 154] قال: رفعته الملائكة" (?).
قال عطاء: " رفع فوقهم الجبل على بني إسرائيل , فقال: لتؤمنن به أو ليقعن عليكم" (?).
قال مجاهد: "رُفِعَ الجبل فوقهم كالسحابة، فقيل لهم: لتؤمِنُنَّ أو ليقعن عليكم، فآمنوا" (?).
قال السدي: " فلما أبوا أن يسجدوا , أمر الله الجبل أن يقع عليهم , فنظروا إليه وقد غشيهم , فسقطوا سجدا على شق ونظروا بالشق الآخر فرحمهم , فكشفه عنهم , فقالوا: ما سجدة أحب إلى الله من سجدة كشف بها العذاب عنهم , فهم يسجدون كذلك , وذلك قول الله تعالى: {ورفعنا فوقهم الطور} [النساء: 154] " (?).
وذكر أهل التفسير في {الطُّورَ} [النساء: 154]، أقاويل (?):
أحدها: إنه اسم جبل بعينه، ثم اختلفوا في تحديده على وجهين:
الأول: أنه اسم الجبل، الذي كلم الله عليه موسى، وأنزلت عليه التوراة دون غيره، وهذه رواية ابن جريج عن ابن عباس (?).
وقال الفراء في تفسير قوله تعالى: {وَالطُّورِ} [الطور: 1]، قال: " وهو الجبل الذي بمدين، الذي كلّم الله جلَّ وَعزَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام عنده نكليما" (?).