قال الطبري: " يقول: ويريد المفرِّقون بين الله ورسله، الزاعمون أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، أن يتخذوا بين أضعاف قولهم: {نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعض}، {سبيلا}، يعني: طريقًا إلى الضلالة التي أحدثوها، والبدعة التي ابتدعوها، يدعون أهل الجهل من الناس إليه" (?).

قال الزمخشري: " معنى «اتخاذهم بين ذلك سبيلا»: أن يتخذوا دينا وسطا بين الإيمان والكفر كقوله: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلً} [الإسراء: 110]، أى: طريقا وسطا في القراءة وهو ما بين الجهر والمخافتة. وقد أخطؤا، فإنه لا واسطة بين الكفر والإيمان" (?).

قال قتادة: " أولئك أعداء الله اليهود والنصارى. آمنت اليهود بالتوراة وموسى، وكفروا بالإنجيل وعيسى. وآمنت النصارى بالإنجيل وعيسى، وكفروا بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلم. فاتخذوا اليهودية والنصرانية، وهما بدعتان ليستا من الله، وتركوا الإسلام وهو دين الله الذي بعث به رُسله" (?).

الفوائد:

1 - تقرير كفر اليهود والنصارى لفساد عقيدتهم وبطلان أعمالهم.

2 - كفر من كذب بالله ورسوله ولو في شيء واحد مما وجب الإيمان به.

3 - بطلان إيمان من يؤمن ببعض الرسل ويكفر ببعض.

القرآن

{أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151)} [النساء: 151]

التفسير:

أولئك هم أهل الكفر المحقَّق الذي لا شك فيه، وأعتدنا للكافرين عذابًا يخزيهم ويهينهم.

قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء: 151]، أي: " أولئك هم أهل الكفر المحقَّق الذي لا شك فيه" (?).

قال البيضاوي: أي: " هم الكاملون في الكفر لا عبرة بإيمانهم هذا" (?).

قال النسفي: اي: " هم الكاملون في الكفر، لأن الكفر بواحد كفر بالكل" (?).

قال ابن عرفة: " أي كفرا محققا يقينا لَا شك فيه بخلاف من وحد الله وجحد بعض الصفات كالمعتزلة، فإن في كفرهم نظر، أو لذلك اختلف العلماء فيهم" (?).

قال ابن كثير: " أي: كفرهم محقق لا محالة بمن ادعوا الإيمان به؛ لأنه ليس شرعيًّا، إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسول الله لآمنوا بنظيره، وبمن هو أوضح دليلا وأقوى برهانًا منه، لو نظروا حق النظر في نبوته" (?).

قال الزمخشري: " أى: هم الكاملون في الكفر. و {حقا}، تأكيد لمضمون الجملة، كقولك: هو عبد الله حقا، أى حق ذلك حقا، وهو كونهم كاملين في الكفر، أو هو صفة لمصدر الكافرين، أى هم الذين كفروا كفرا حقا ثابتا يقينا لا شك فيه" (?).

قال ابن عطية: " ثم أخبر تعالى عنهم أنهم الكافرون حقا، لئلا يظن أحد أن ذلك القدر الذي عندهم من الإيمان ينفعهم، وباقي الآية وعيد" (?).

قال القرطبي: " تأكيد يزيل التوهم في إيمانهم حين وصفهم بأنهم يقولون نؤمن ببعض، وأن ذلك لا ينفعهم إذا كفروا برسوله، وإذا كفروا برسوله فقد كفروا به عز وجل، وكفروا بكل رسول مبشر بذلك الرسول، فلذلك صاروا الكافرين حقا" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015