والثاني: أن تكون للتبعيض: وذلك لينبههم أنه لم يرد منهم إلا جزءاً يسيراً من أموالهم، غير ضار لهم ولا مثقل، بل ينتفعون هم بإنفاقه، وينتفع به إخوانهم (?).
وكثيراً ما يجمع تعالى بين الصلاة والإنفاق من الأموال في القرآن الكريم، وذلك لأن "الصّلاة حقّ الله وعبادته، وهي مشتملةٌ على توحيده والثّناء عليه، وتمجيده والابتهال إليه، ودعائه والتّوكّل عليه؛ والإنفاق هو الإحسان إلى المخلوقين بالنّفع المتعدّي إليهم، وأولى النّاس بذلك القرابات والأهلون والمماليك، ثمّ الأجانب، فكلٌّ من النّفقات الواجبة والزّكاة المفروضة داخلٌ في قوله تعالى: {وممّا رزقناهم ينفقون} ولهذا ثبت في الصّحيحين عن ابن عمر: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: "بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلّا الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت" (?)، والأحاديث في هذا كثيرةٌ" (?).
و(الرزق) لغة: قال ابن منظور: رزَق: الرازِق والرزَّاق: في صِفة الله -تعالى- لأنه يَرزُق الخَلق أجمَعين، وهو الذي خلق الأرزاق، وأعطى الخلائق أرزاقها وأوصَلها إليهم، وفَعَّال مِن أبنيَة المبالَغة، والرِّزْق: مَعروف، والأرزاق نوعان: ظاهِرة للأبدان؛ كالأقوات، وباطِنة للقلوب والنفوس؛ كالمَعارِف والعُلوم؛ قال الله -تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] (?).
وقال الراغِب: "الرِّزْق يُقال للعَطاء الجاري تارةً، دُنيويًّا كان أم أُخرويًّا، وللنصيب تارةً، ولِما يَصِل إلى الجوف ويُتغذى به تارةً، يقال: أعطى السلطانُ رِزقَ الجند، ورُزقتُ عِلمًا" (?).
وجاء في "المعجم الوسيط: " (الرزْق) بالفتح مصدر، وبالكَسر اسم الشيء المرزوق، وهو كل ما يُنتفَع به، ويجوز أن يوضَع كل منهما مَوضِع الآخَر، وما يُنتفَع به مما يؤكَل ويُلبَس، وما يصل إلى الجوف ويُتغذَّى به، وفي التنزيل العزيز: {فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} [الكهف: 19]، والمطرُ؛ لأنه سبب الرزق، والعطاءُ أو العطاء الجاري؛ يُقال: كم رِزقك في الشهر؟ : كم راتبك؟ " (?).