وذكر أهل التفسير في قوله تعالى: {وَيُقِيمُون الصَّلاةَ} [البقرة: 3]، قولان (?):

أحدهما: يؤدونها بفروضها. قاله ابن عباس (?).

والثاني: أنه إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع فيها، قاله قتادة (?)، ومقاتل بن حيان (?)، وحكي عن ابن عباس مثل ذلك (?).

وقد اختلف في أصل (الصلاة)، على ثلاثة أقوال:

أحدهما: أنها: الدُّعاءُ، كما قال الأعشى (?):

لَهَا حَارِسٌ لا يَبْرَحُ الدَّهْرَ بَيْتَهَا ... وَإِنْ ذُبِحَتْ صَلَّى عَلَيْهَا وَزَمْزَمَا

يعني بذلك: دعا لها، وكقول الأعشى أيضًا (?):

وَقَابَلَهَا الرِّيحَ فِي دَنِّهَا ... وصَلَّى عَلَى دَنِّهَا وَارْتَسَمْ

قال الطبري: " وأرى أن الصلاة المفروضة سُمِّيت " صلاة "، لأنّ المصلِّي متعرِّض لاستنجاح طَلِبتَه من ثواب الله بعمله، مع ما يسأل رَبَّه من حاجاته، تعرُّضَ الداعي بدعائه ربَّه استنجاحَ حاجاته وسؤلَهُ" (?).

الثاني: أنها من الرحمة. قاله أبو عبية (?)، واحتجّ بقول الأعشى (?):

تقولُ بنتي وقد قَرّبْتُ مُرْتَحِلًا ... يا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الأوصابَ والوجعا

عليكِ مِثْلُ الذي صلَّيتِ فاغتمضي ... نومًا فإنّ لجنب المرء مضطجَعا

قال: عليك مثل دعائك، أي: ينالك من الخير مثل الذي أردت لي. فأبو عبيدة يجعل صليت بمعنى: ترحمت (?).

والقولان: الأول والثاني: قريبان من البعض، " لأن المترحم على الإنسان داعٍ له، والداعي للإنسان مترحّم عليه" (?).

والثالث: أنها: مأخوذة من: الصّلا، وهو عرق في وسط الظهر، ويفترق عند العجب فيكتنفه، ومنه أخذ المصلي في سبق الخيل، لأنه يأتي مع صلوي السابق، فاشتقّت الصلاة منه، إما لأنها جاءت ثانية للإيمان فشبهت بالمصلّي من الخيل، وإما لأن الراكع والساجد صلواه" (?).

قال ابن عطية: " والقول إنها من الدعاء أحسن (?).

واختُلف لِمَ سُمِّي فعل (الصلاة) على هذا الوجه إقامةً لها، على قولين (?):

أحدهما: من تقويم الشيء من قولهم قام بالأمر إذا أحكمه وحافظ عليه.

قال الطبري: وإقامة الصلاة: أداؤها بحدودها وفروضها والواجب فيها على ما فُرِضَتْ عليه، كما يقال: أقام القومُ سُوقَهم، إذا لم يُعَطِّلوها من البَيع والشراء فيها (?)، وكما قال الشاعر (?):

طور بواسطة نورين ميديا © 2015