بمعنى " النقير "، أن يكون أصغرَ ما يكون من النُّقر. وإذا كان ذلك أولى به، فالنقرة التي في ظهر النواة من صغار النُّقر، وقد يدخل في ذلك كل ما شَاكلها من النُّقر" (?).

وفي الآية ثلاثة اقوال (?):

أحدها: أنه: استفهام بمعنى الإنكار والنفي، يعنى: ليس لهم نصيب من الملك؛ إذ لو كان الملك لهم، فإذا لا يؤتون الناس نقيرا، من بخلهم، وقلة خيرهم.

والثاني: أن المعنى: ليس لهم نصيب من الملك فكيف يؤتون الناس شيئا؟ ! إنما الملك لله - عز وجل - هو الذي يؤتى الملك من يشاء؛ كقوله - تعالى -: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].

والثالث: إنه بمعنى الإثبات، يعني: لهم نصيب من الملك من الشرف والأموال والرياسة فيما بينهم، لكن ألا يأتون الناس، نقيرا، فكيف يتبعونهم؟ ! .

وفي قراءة عبد الله: {فإذا لا يؤتوا الناس}، بالنصب (?).

الفوائد:

1 - أن الله وحده هو المالك للملك الذي يهب ما يشاء لمن يشاء.

2 - أنكر الله على اليهود دعوة أن الملك يؤول إليهم، وهم لشدة بخلهم لو آل الملك لهم لما أعطوا أحداً أحقر الأشياء وأتفهها ولو مقدار نواة.

3 - ذم اليهود بالبخل بعد ذمهم بلازم الجهل، وهو تفضيلهم الشرك على التوحيد.

القرآن

{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)} [النساء: 54]

التفسير:

بل أيحسدون محمدًا صلى الله عليه وسلم على ما أعطاه الله من نعمة النبوة والرسالة، ويحسدون أصحابه على نعمة التوفيق إلى الإيمان، والتصديق بالرسالة، واتباع الرسول، والتمكين في الأرض، ويتمنون زوال هذا الفضل عنهم؟ فقد أعطينا ذرية إبراهيم عليه السلام -من قَبْلُ- الكتب، التي أنزلها الله عليهم وما أوحي إليهم مما لم يكن كتابا مقروءا، وأعطيناهم مع ذلك ملكا واسعا.

سبب نزول الآية:

أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قوله أعطي نبي الله صلى الله عليه وسلم بضع سبعين شابا، فحسدته اليهود، فقال الله تعالى: أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله" (?).

وفي السياق نفسه أخرج الطبري (?)، وابن أبي حاتم عن ابن عباس: " وذلك أن أهل الكتاب قالوا: زعم محمد أنه أوتي ما أوتي في س همه إلا النكاح، فأي ملك أفضل من هذا؟ ! فقال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} " (?). قال ابن أبي حاتم: "وروي عن عطية والضحاك (?)، وسعيد بن جبير والسدي (?) نحو ذلك" (?).

قوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] أي: " بل أيحسدون محمدًا صلى الله عليه وسلم على ما أعطاه الله من نعمة النبوة والرسالة، ويحسدون أصحابه على نعمة التوفيق إلى الإيمان، والتصديق بالرسالة، واتباع الرسول، والتمكين في الأرض، ويتمنون زوال هذا الفضل عنهم؟ " (?).

قال أبو عبيدة، وابن قتيبة: " {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ}، معناها: أيحسدون الناس" (?).

قال الزمخشري: أي: " بل أيحسدون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على إنكار الحسد واستقباحه. وكانوا يحسدونهم على ما آتاهم الله من النصرة والغلبة وازدياد العز والتقدم كل يوم" (?).

وفي الناس الذين عناهم ثلاثة أقاويل:

أحدها: أنهم العرب، وهو قول قتادة (?).

والثاني: أنه النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة، وهو قول ابن عباس (?)، ومجاهد (?)، والضحاك (?)، والسدي (?)، وأبي مالك (?)، وعكرمة (?)، ومقاتل (?).

والثالث: أنهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، قاله عكرمة في رواية اخرى (?)، وهو قول بعض المتأخرين (?).

والتفسير الأشبه بالصواب-والله اعلم-، أن يقال: " أتحسدون محمدًا وأصحابه على ما آتاهم الله من فضله، وذلك لأن ما قبل قوله: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله}، مضى بذّم القائلين من اليهود للذين كفروا: {هؤلاء أهدىَ من الذين آمنوا سبيلا}، فإلحاق قوله: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله}، بذمهم على ذلك، وتقريظ الذين آمنوا الذين قيل فيهم ما قيل أشبهُ وأولى، ما لم تأت دلالة على انصراف معناه عن معنى ذلك" (?).

قال الفراء: " هذه اليهود حسدت النبي صلى الله عليه وسلم كثرة النساء، فقالوا: هذا يزعم أنه نبى وليس له هم إلا النساء، فأنزل الله تبارك وتعالى: {فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة}، وفي آل إبراهيم سليمان بن داود، وكان له تسعمائة امرأة، ولداود مائة امرأة " (?).

قال أبو هلال العسكري: " أصل الناس: أناس أسكنت الهمزة منه فأدغمت اللام، كما قيل: لكنا، وقيل: الناس لغة مفردة، والأناس لغة أخرى، ولو كان أصله أناسا لقيل في التصغير أنيس، وإنما يقال: نويس وتجمع أناس على أناسي، وقيل: أناسي جمع، إنسي واشتقاقه من الأنس، خلاف الوحشية، لأن بعضهم يأنس ببعض، والناس جماعة لا واحد لها من لفظها، وواحدها إنسان على المعنى" (?).

وفي الفضل المحسود عليه قولان:

أحدهما: أنه النبوة، إذ حسدوا العرب على أن كانت فيهم، وهو قول الحسن (?)، وقتادة (?)، وابن جريج (?).

والثاني: أنه إباحته للنبي - صلى الله عليه وسلم - نكاح من شاء من النساء من غير عدد، وهو قول ابن عباس (?)، والضحاك (?)، والسدي (?)، وعطية (?)، وسعيد بن جبير (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015