وقال الكلبي: "لا يؤمنون إلا بقليل مما في أيديهم " (?).
قال الزجاج: " أي: فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا، لا يجب به أن يسموا المؤمنين، وقيل: أي: إلا قليلا منهم، فإنهم آمنوا" (?).
قال البغوي: أي: " إلا نفرا قليلا منهم، وهو عبد الله بن سلام ومن أسلم معه منهم" (?).
قال الزمخشري: أي: " فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا أى ضعيفا ركيكا لا يعبأ به، وهو إيمانهم بمن خلقهم مع كفرهم بغيره، أو أراد بالقلة العدم، كقوله (?):
قَلِيلُ التَّشَكِّي للمُهِمِّ يُصِيبُهُ ... [كَثيرُ الهَوَى شَتَّى النَّوَى والمَسَالِك]
أى عديم التشكي، أو إلا قليلا منهم قد آمنوا" (?).
قال ابن عطية: " {قليلا}: نعت، إما لإيمان وإما لنفر أو قوم، والمعنى مختلف، فمن عبر بالقلة عن الإيمان قال: إما هي عبارة عن عدمه على ما حكى سيبويه من قولهم: أرض قل ما تنبت كذا، وهي لا تنبته جملة، وإما قلل الإيمان لما قلت الأشياء التي آمنوا بها فلم ينفعهم ذلك، وذلك أنهم كانوا يؤمنون بالتوحيد ويكفرون بمحمد وبجميع أوامر شريعته ونواهيها، ومن عبر بالقلة عن النفر قال: لا يؤمن منهم إلا قليل، كعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، وغيرهما، وإذا قدرت الكلام نفرا قليلا، فهو نصب في موضع الحال وفي هذا نظر" (?).
الفوائد:
1 - أن من صفات اليهود: تحريف الكلم عن مواضعه، إذ بين الله تعالى كيفية ضلال علماء اليهود وعنادهم وإيثارهم الباطل على الحق فقال: {من الذين هادوا حرفون الكلم عن مواضعه}.
2 - أن تحريف اليهود يكمن في تغيير اللفظ أو المعنى، أو هما جميعا. فمن تحريفهم تنزيل الصفات التي ذكرت في كتبهم التي لا تنطبق ولا تصدق إلا على محمد صلى الله عليه وسلم على أنه غير مراد بها، ولا مقصود بها بل أريد بها غيره، وكتمانهم ذلك، فهذا حالهم في العلم أشر حال، قلبوا فيه الحقائق، ونزلوا الحق على الباطل، وجحدوا لذلك الحق، وأما حالهم في العمل والانقياد فإنهم {يقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين}.
3 - أن الله تعالى طرد اليهود من رحمته بسبب كفرهم وعنادهم، فقال: {ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا}.
4 - إن التحريف من دأب اليهود، قال الشيخ ابن عثيمين: " فكل من حرف نصوص الكتاب والسنة، ففيه شبه من اليهود، فأحذر هذا، ولا تتشبه بالمغضوب عليهم الذين جعل الله منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، لا تحرف، بل فسر الكلام على ما أراد الله ورسوله" (?).
5 - أن الإيمان القليل لا يجدي صاحبه ولا ينفعه بحال.