أحدها: أن الذين تمنوه من تسوية الأرض بهم، أن يجعلهم مثلها، كما قال تعالى في موضع أخر: {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً} [النبأ: 40]. وهذا قول الكلبي (?)، والفراء (?).
قال الفراء: " و {تسوى} معناه: لو يسوون بالتراب، وإنما تمنوا ذلك لأن الوحوش وسائر الدواب يوم القيامة يقال لها: كوني ترابا" (?).
والثاني: أنهم تمنوا لو انفتحت لهم الأرض فصاروا في بطنها. وهذا قول ابن عباس (?)، وقتادة (?)، ومقاتل (?).
والثالث: أن المعنى: يعدل بهم ما على الأرض من شيء فدية، بيانه: {يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ} [المعارج: 11]. قال الثعلبي: سمعه أستاذنا أبو القاسم الحسين (?).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم {لو تسوى} مضمومة التاء مفتوحة السين، وقرأ نافع وابن عامر {لو تسوى} مفتوحة التاء والواو مشددة السين، وقرأ حمزة والكسائي {لو تسوى} مفتوحة التاء خفيفة السين ممالة (?).
قوله تعالى: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 42]، " أي: ولا يستطيعون أن يكتموا الله حديثاً" (?).
قال ابن عباس: " بجوارحهم" (?).
قال مقاتل: " يعنى: الجوارح حين شهدت عليهم" (?).
قال الأخفش: " أي: لا تكتمه الجوارح او يقول: لا يخفى عليه وإن كتموه" (?).
قال الزمخشري: أي: " ولا يقدرون على كتمانه لأن جوارحهم تشهد عليهم. وقيل الواو للحال، أى يودون أن يدفنوا تحت الأرض وأنهم لا يكتمون الله حديثا" (?).
قال ابن كثير: " أخبرعنهم بأنهم يعترفون بجميع ما فعلوه، ولا يكتمون منه شيئا" (?).
قال الفراء: "ثم يحيا أهل الجنة، فإذا رأى ذلك الكافرون قال بعضهم لبعض: تعالوا فلنقل إذا سئلنا: والله ما كنا مشركين، فإذا سئلوا فقالوها، ختم على أفواههم وأذن لجوارحهم فشهدت عليهم. فهنالك يودون أنهم كانوا ترابا ولم يكتموا الله حديثا. فكتمان الحديث هاهنا في التمني" (?).
قال سعيد بن جبير: "جاء رجل إلى ابن عباس فقال: أشياءُ تختلفُ علي في القرآن؟ فقال: ما هو؟ أشك في القرآن؟ قال: ليس بالشك، ولكنه اختلاف! قال: فهات ما اختلف عليك. قال: أسمع الله يقول: (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) [سورة الأنعام: 23]، وقال: {ولا يكتمون الله حديثًا}، وقد كتموا! فقال ابن عباس: أما قوله: {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين}، فإنهم لما رأوا يوم القيامة أن الله يغفر لأهل الإسلام ويغفر الذنوب، ولا يغفر شركًا، ولا يتعاظمه ذنبٌ أن يغفره جحد المشركون فقالوا: {والله ربنا ما كنا مشركين}، رجاءَ أن يغفر لهم، فختم على أفواههم، وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فعند ذلك: {يَودّ الذين كفروا وَعصوُا الرسول لو تسوَّى بهم الأرضُ ولا يكتمون الله حديثًا} " (?).