قال الصابوني: أي: إن الله لايحب من كان "متكبراً في نفسه يأنف عن أقاربه وجيرانه فخوراً على الناس مترفعاً عليهم يرى أنه خير منهم، وهذه آية جامعة جاءت حثاً على الإِحسان واستطراداً لمكارم الأخلاق، ومن تدبرها حق التدبر أغنتْه عن كثير من مواعظ البلغاء، ونصائح الحكماء" (?).
قال الزجاج: " المختال: الصلف التياه الجهول. وإنما ذكر الاختيال في هذه القصة، لأن المختال يأنف من ذوي قراباته إذا كانوا فقراء، ومن جيرانه إذا كانوا كذلك، فلا يحسن عشرتهم" (?).
قال الزمخشري: " والمختال: التياه الجهول الذي يتكبر عن إكرام أقاربه وأصحابه ومماليكه، فلا يتحفى (?) بهم ولا يلتفت إليهم" (?).
قال ابو عبيدة: " المختال: ذو الخيلاء، والخال، وهما واحد" (?).
قال الطبري: " و «المختال»: المفتعل، من قولك: خال الرجل فهو يخول خَوْلا وخَالا، ومنه قول الشاعر (?):
فَإنْ كُنْتَ سَيِّدَنَا سُدْتَنَا ... وإنْ كُنْتَ لِلْخَالِ فَاذْهَبْ فَخُلْ
ومنه قول العجاج (?):
وَالْخَالُ ثَوْبٌ مِنْ ثِيَابِ الْجُهَّالْ
وأما «الفخور»، فهو المفتخر على عباد الله بما أنعم الله عليه من آلائه، وبسط له من فضله، ولا يحمده على ما أتاه من طَوْله، ولكنه به مختال مستكبر، وعلى غيره به مُسْتطيل مفتخر" (?).
قال السعدي: " فمن قام بهذه المأمورات فهو الخاضع لربه، المتواضع لعباد الله، المنقاد لأمر الله وشرعه، الذي يستحق الثواب الجزيل والثناء الجميل، ومن لم يقم بذلك فإنه عبد معرض عن ربه، غير منقاد لأوامره، ولا متواضع للخلق، بل هو متكبر على عباد الله معجب بنفسه فخور بقوله، ولهذا قال: {إن الله لا يحب من كان مختالا} أي: معجبا بنفسه متكبرا على الخلق {فخورا} يثني على نفسه ويمدحها على وجه الفخر والبطر على عباد الله، فهؤلاء ما بهم من الاختيال والفخر يمنعهم من القيام بالحقوق" (?).
الفوائد:
1 - إن أعظم ما أمر الله به التوحيد، وهو إفراد الله تعالى بالعبودية، . وأعظم ما نهى عنه الشرك وهو دعاء غير الله تعالى معه، والدليل قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شيئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}.
2 - أن الواجب المتعين إخلاص العبادة لمن له الكمال المطلق من جميع الوجوه، وله التدبير الكامل الذي لا يشركه ولا يعينه عليه أحد.
3 - أن الله تعالى لم يجعل لأحد حقًّا يلي حقه وحق وسوله إلا للوالدين، فقال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}.
4 - الإحسان غلى الاقارب سواء قربوا أو بعدوا، وذلك بأن يحسن إليهم بالقول والفعل، وأن لا يقطع برحمه بقوله أو فعله.
5 - أن للأيتام حق على المسلمين، سواء كانوا أقارب أو غيرهم بكفالتهم وبرهم وجبر خواطرهم وتأديبهم، وتربيتهم أحسن تربية في مصالح دينهم ودنياهم.
6 - أمر الله تعالى بالإحسان إلى المساكين، بسد خلتهم وبدفع فاقتهم، والحض على ذلك، والقيام بما يمكن منه.
5 - اعتناء الشرع الحنيف بالجار، فوصى الله تعالى وأمر بالإحسان إليه فقال سبحانه وتعالى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ}.