السور للصراخ عليهم بعجزهم عن أن يأتوا بمثله، مع أنه لم يأت إلا من تلك الحروف التي تتكون منها لغتهم التي ملكوا ناصيتها (?).
وقد ذهب بعضهم إلى رد هذا القول، لأن الأمي لا يصعب عليه أن يأتي بمثل هذه الحروف، إذ لا دلالة بها على تعلم الأمي، وانتقاله من الأمية إلى العلم، قال ابن عاشور: "وهذا بين البطلان لأن الأمي لا يتعسر عليه النطق بالحروف" (?).
الوجه الثاني: واقع هذه الأحرف يقرر هذه القضية، فهي قد ذُكِرَت على خمس صور، فجاءت على حرف واحد مثل: (ص) و (ق)، وجاءت على حرفين مثل: (طس) و (حم)، وجاءت على ثلاثة أحرف مثل: (الم)، وجاءت على أربعة أحرف مثل: (المص)، ثم هي قد جاءت على خمسة أحرف مثل: (كهيعص).
وكذلك كلام العرب لا يخرج عن هذه الأحوال الخمسة، فهو إما حرف أو اسم أو فعل.
فالحرف يأتي على حرفين مثل: (مِنْ)، أو ثلاثة مثل: (على).
والاسم إما ثلاثة أحرف مثل: (حسن) وإما أربعة مثل: (حسين) وإما خمسة مثل: (حسناء)، وما عدى هذا فهو مزيد ليس بأصلي.
وأفعال العرب إما ثلاثة أحرف مثل: (كتب) وإما أربعة مثل: (أكرم)، وما عدى هذا فهو مزيد ليس بأصلي.
فما خرجت الحروف المقطعة في جميع صورها عن استعمالات العرب، وكأن الله يقول: هذه الأحرف كُرِّرت على حسب استعمالاتكم في لغتكم، فإن قلتم: هذه الأحرف قد سبقنا محمد إليها فاستعمل حروفنا؛ قلنا لكم: قد استعملنا نصفها في أوائل السور وتركنا لكم النصف الآخر فافتروا منها قرآناً كما افترى محمد بزعمكم ـ حاشاه ـ (?).
القول الثاني: أنها أسماء لله تعالى
ذهب بعض العلماء أن هذه الحروف المقطعة التي في أوائل السور أسماء لله تعالى، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا:
ابن عباس (?) وابن مسعود (?) وسالم بن عبدالله (?)، والشعبي (?)، وروي نحوه عن اسماعيل بن عبدالرحمن السدي الكبير ونحوه عن عكرمة (?).
قال عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: فواتح السور أسماء من أسماء الله (?).
وعن ابن عباس واين مسعود في قوله: " (ألم)، و (المص)، و (الر)، و (المر)، و (كهيعص)، و (طه)، و (طسم)، و (طس)، و (يس)، و (ص)، و (حم)، و (ق)، و (ن)، قال: هو قسم أقسمه الله، وهو من أسماء الله" (?).
وعن فاطمة ابنة علي بن أبي طالب، قالت: "كان علي يقول في دعائه: يا كهيعص اغفر لي" (?).