قال عبدالله: " كل ذات زوج عليك حرام، إلا أن تشتريها، أو ما ملكت يمينك" (?).

قال إبراهيم: " إلا السبايا من أهل الحرب" (?).

وعن الأعمش، عن يحيى بن وثاب، "أنه كان يقرأ هذه الآية: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} " (?).

قال الشعبي: " إحصان الأمة: دخولها في الإسلام وإقرارها به، إذا دخلت في الإسلام وأقرت به، ثم زنت، فعليها جلد خمسين" (?). وفي رواية أخرى له: " إحصانها: أن تحصن فرجها من الفجور، وأن تغتسل من الجنابة" (?).

واختلف أهل العلم في تفسير قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]، على وجوه:

أحدها: والمحصنات من النساء يعني ذوات الأزواج إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي، وهذا قول علي، وابن عباس (?)، وأبي قلابة (?)، ومكحول (?)، وابن زيد (?).

واستندوا على الأخبار التي رويت أن هذه الآية نزلت فيمن سُبي من أَوْطاس (?).

والثاني: أن المحصنات ذوات الأزواج حرام على غير أزواجهن إلا ما ملكت أيمانكم من الإِماء، إذا اشتراها مشترٍ بطل نكاحها وحلت لمشتريها ويكون بيعها طلاقها، وهذا قول ابن مسعود (?)، وأُبي بن كعب (?)، وجابر بن عبد الله (?)، وأنسٍ ابن مالك (?)، وابن عباس (?)، وسعيد بن المسيب (?)، والحسن (?).

عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: "طلاق الأمة ستٌّ: بيعها طلاقُها، وعتْقُها طلاقها، وهبتُها طلاقها، وبراءتها طلاقها، وطلاق زوجها طَلاقُها" (?).

الثالث: أن المحصنات من النساء العفائف إلا ما ملكت أيمانكم بعقد النكاح، أو ملك اليمين، وهذا قول سعيد بن جبير (?)، وأبي العالية (?)، وعبيدة السلماني (?)، وعطاء (?)، والسدي (?).

والرابع: أنه عنى بالمحصنات في هذا الموضع، العفائفَ من المسلمين وأهل الكتاب. وهذا قوول ابن عباس أيضا (?)، ومجاهد (?).

والخامس: أن المحصنات هن نساء أهل الكتاب. قاله أبو مجلز (?).

والسادس: أن المحصنات هن الحرائر. قاله عزرة (?).

والسابع: أن المحصنات في هذا الموضع، ذوات الأزواج، غير أن الذي حرَّم الله منهن في هذه الآية، الزنا بهنّ، وأباحهن بقوله: {إلا ما ملكت أيمانكم}، بالنكاح أو الملك. وهذا قول ابن عباس في إحدى الروايات (?)، وعبدالله في رواية أخرى (?)، ومجاهد في إحدى الروايات (?)، وسعيد بن المسيب في رواية الزهري عنه (?)، ومكحول في إحدى الروايات (?).

والثامن: أن: المحصنات هن العفائف وذوات الأزواج، وحرام كُلُّ من الصنفين إلا بنكاحٍ أو ملك يمين. وهذا قول ابن شهاب (?).

والتاسع: أن هذه الآية في نساء كنَّ يهاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهن أزواج، فيتزوّجُهن بعض المسلمين، ثم يقدم أزواجُهن مهاجرين، فنهى المسلمون عن نكاحهن. وهذا قول أبي سعيد الخدري (?).

قال الطبري: " وقد ذكر ابن عباس وجماعة غيره أنه كان ملتبسًا عليهم تأويل ذلك" (?).

قال رجل لسعيد بن جبير: "أما رأيت ابن عباس حين سُئِل عن هذه الآية: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم}، فلم يقل فيها شيئًا؟ قال فقال: كان لا يعلمها" (?).

وقال عبد الرحمن بن يحيى عن مجاهد: "لو أعلم من يفسّر لي هذه الآية، لضربت إليه أكباد الإبل، قوله: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم إلى قوله: فما استمتعتم به منهن، إلى آخر الآية" (?).

قال الماوردي: " وأصل الإِحصان المنع، ومنه حصن البلد، لأنه يمنع من العدو، ودرع حصينة أي منيعة، وفرس حَصان، لأن صاحبه يمتنع به من الهلكة، وامرأة حصان، وهي العفيفة لأنها تمتنع من الفاحشة، ومنه: {وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [التحريم: 12] " (?).

قال الطبري: " فأما المحصنات، فإنَّهن جمع مُحْصَنة، وهي التي قد مُنع فرجها بزوج. يقال منه: أحْصَن الرجلُ امرأته فهو يُحْصنها إحصانًا، وحَصُنت هي فهي تَحْصُن حَصَانة، إذا عفَّت وهي حاصِنٌ من النساء، عفيفة، كما قال العجاج (?):

وَحَاصِنٍ مِنْ حَاصِنَاتٍ مُلْسٍ ... عَنِ الأذَى وَعَنْ قِرَافِ الْوَقْسِ

ويقال أيضًا، إذا هي عَفَّت وحفِظت فرجها من الفجور: قد أحصَنَتْ فرجها فهي مُحْصِنة، كما قال جل ثناؤه: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [سورة التحريم: 12]، بمعنى: حفظته من الريبة، ومنعته من الفجور. وإنما قيل لحصون المدائن والقرى: حُصُون، لمنعها من أرادَها وأهلَها، وحفظِها ما وراءها ممن بغاها من أعدائها. ولذلك قيل للدرع: درع حَصِينة.

فإذا كان أصل الإحصان ما ذكرنا من المنع والحفظ، فبيِّنٌ أنّ معنى قوله: والمحصنات من النساء، والممنوعات من النساء حرام عليكم إلا ما ملكت أيمانكم، وإذ كان ذلك معناه، وكان الإحصان قد يكون بالحرّية، كما قال جل ثناؤه: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [سورة المائدة: 5] ويكون بالإسلام، كما قال تعالى ذكره: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [سورة النساء: 25] ويكون بالعفة، كما قال جل ثناؤه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [سورة النور: 4] ويكون بالزوج ولم يكن تبارك وتعالى خصّ محصَنة دون محصنة في قوله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015