قال العلامة السعدي: " وأما الحروف المقطعة في أوائل السور فالأسلم فيها السكوت عن التعرض لمعناها من غير مستند شرعي، مع الجزم بأن الله ـ تعالى ـ لم ينزلها عبثاً، بل لحكمة لا نعلمها" (?).
وبعد هذا الاتفاق حدث اختلاف في شيء آخر، وهو: هل هذه الحروف المقطعة ـ التي لها معنى ونزلت لحكمة ـ هل يُدْرَك معناها من جميع الوجوه، ونقف على الحكمة منها؟
وينحصر الاختلاف بين أهل العلم في اتجاهين اثنين: -
الاتجاه الأول: أن تلك الحروف هي من من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، فنؤمن بها، ونقرأها كما جاءت، وممن قال ذلك:
الشعبي (?)، وسفيان الثوري (?)، ومن المفسرين كل من: أبو حيان (?) والآلوسي (?)، وقاله زكريا الأنصاري في كتابيه فتح الرحمن (?).
يرى أصحاب هذا الإتجاه بأن هذه الحروف لها معنى ونزلت لحكمة، غير أننا لا ندرك هذا المعنى ولا تلك الحكمة، وإنما يقال: هذه الحروف من حروف المعجم، ذكرها الله في أوائل بعض سور كتابه، واختص الله بعلم المراد منها (?).
رُوِي عن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه أنه قال: في كل كتاب سر، وسر الله في القرآن أوائل السور (?).
وعن علي بن أبي طالب تعالى أنه قال: إن لكل كتاب صفوة، وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي (?).
وقد اعترض بعض العلماء على هذا الإتجاه وساقوا الأدلة على أنه: لا يجوز أن يرد في كتاب الله تعالى ما لا يكون مفهوماً للخلق، ومنهم الرازي، واحتج عليه بالآيات والأخبار والمعقول.
أما الآيات:
أحدها: قوله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّروُنَ القُرآنَ أَمْ عَلى قُلوُب أقْفالها} [محمد: 24]، أمرهم بالتدبر في القرآن، ولو كان غير مفهوم فكيف يأمرهم بالتدبر فيه.