ما أنزل الله، ولا يحرفونه كغيرهم من أهل الكتاب. أولئك لهم ثواب عظيم عنده يوم يلقونه، فيوفيهم إياه غير منقوص. إنَّ الله سريع الحساب، لا يعجزه إحصاء أعمالهم، ومحاسبتهم عليها.
في سبب نزولها ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها نزلت في أصحمة النجاشي (?)، روى سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اخرجوا فصلوا على أخ لكم. فصلى بنا، فكبر أربع تكبيرات، فقال: هذا النجاشي أصحمة، فقال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلي على عِلْجٍ نصرَاني لم يره قط! فأنزل الله: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله} " (?). وهو قول قتادة (?)، وابن جريج في أحد قوليه (?).
والثاني: أنها نزلت في عبد الله بن سلام ومن معه. وهذا قول ابن جريج في رواية أخرى (?)، وروي عن ابن زيد نحو ذلك (?).
والثالث: أنها نزلت في أربعين من أهل نجران، وثلاثين من الحبشة، وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى، فآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، قاله عطاء (?).
والرابع: أنها نزلت في مُسلمة أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى، وهذا قول مجاهد (?)، ورجّحه الطبري (?).
والظاهر-والله أعلم- هو القول الأخير، لأن قوله تعالى: {أهل الكتاب}، يعمّ أهل الكتاب جميعهم دون تخصيص.
قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ} [آل عمران: 199]، " أي: ومن اليهود والنصارى فريق يؤمنون بالله حق الإِيمان، ويؤمنون بما أنزل إليكم وهو القرآن وبما أنزل إِليهم وهو التوراة والإِنجيل" (?).
قال الحسن: " هم أهل الكتاب الذين كانوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم، الذين اتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم" (?).
قال مجاهد: " من اليهود والنصارى، وهم مسلمة أهل الكتاب" (?).
وقال مقاتل: " يعنى ابن سلام، يصدق بالله، {وما أنزل إليكم}، يعني: أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- من القرآن {وما أنزل إليهم}، من التوراة، " (?).
قوله تعالى: {خَاشِعِينَ لِلَّهِ} [آل عمران: 199]، " أي: خاضعين متذللين لله" (?).
قال مقاتل: " يعني: متواضعين لله" (?).
قال ابن زيد: ": الخاشع، المتذلل لله الخائف" (?).