عن أنس بن مالك، قال: "دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على سرير، مرمل بشريط، وتحت رأسه وسادة من أدم، حشوها ليف، فدخل عليه نفر من أصحابه، ودخل عمر، فانحرف رسول الله صلى الله عليه وسلم انحرافة، فلم ير عمر بين جنبه وبين الشريط ثوبا، وقد أثر الشريط بجنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكى عمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك يا عمر؟ قال: والله ما أبكي، إلا أن أكون أعلم أنك أكرم على الله، عز وجل، من كسرى وقيصر، وهما يعيشان في الدنيا فيما يعيشان فيه، وأنت يا رسول الله بالمكان الذى أرى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قال عمر: بلى، قال: فإنه كذاك" (?).
الفوائد:
1 - أن المتقين وإن تقلبوا في البلاد فليس مآلهم كمآل الكافرين، قال تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا}.
2 - فيه بيان فوائد التقوى، وأن من فوائدها ما حصل لهؤلاء المتقين من النزل العظيم عند الله عزّ وجل، وهي هذه الجنات التي تجري من تحتها الأنهار.
3 - أن هؤلاء المتقون ثوابهم عند الله عزّ وجل أكثر بكثير مما يعطي هؤلاء الذين يتلبون في البلاد، لأن الله قال في المتقلبين {متاع قليل}، أما هؤلاء فقال: {لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا}.
4 - عظم هذا الجزاء والثواب الذي يحصل لهم، لأنه نُنزل من عند اكرم الأكرمين، وهو الله عزّ وجل.
5 - أن الجزاء من جنس العمل، فإن هؤلاء لما كانوا بررة كثيري الخيرات، فكان لهم عند الله هذا النُزل العظيم.
6 - أن في الجنات أنهار عظيمة تجري من تحت غرفها وأشجارها.
7 - أن منْ منّ الله عليه بالتقوى فإن ذلك من مقتضى ربوبية الله تعالى الخاصة، قال: {اتَّقَوْا رَبَّهُمْ}، فتخصيص الربوبية هنا لهؤلاء المتقين هو من باب الربوبية الخاصة، إذ ان ربوبية الله عزّ وجل لخلقه نوعان:
الأولى: عامة: وهي الشاملة لجميع الخلق.
والثانية: الربوبية الخاصة: وهي الخاصة بالمؤمنين.
وكما أن العبودية لله عزّ وجل أيضا نوعان:
الأولى: عامة، وهي التي لجميع الخلق كما قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93].
والثانية: خاصة، وهي للمؤمنين كما قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63].
وهذه الخاصة منها ما هو أخص كما في عبودية الرسول-صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1].
وعلى هذا ففي العبودية عموم مطلق الذي يشمل جميع من في السماوات والأرض، وعموم نسبي: وهو عموم عبودية المؤمنين، وإنه عام بالنسبة لعبودية الرسول-صلى الله عليه وسلم-، خاص بالنسبة للعبودية المطلقة.
8 - أن هذه الجنات التي تجري من تحتها الأنهار إذا كانت نُزلا، وهو ما يقدم للضيف من الكرامة، فما بال بما يكون بعد هذا؟ لاشك أنه سيكون خيرا كثيرا.
القرآن
{وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199)} [آل عمران: 199]
التفسير:
وإن بعضًا من أهل الكتاب لَيصدِّق بالله ربًّا واحدًا وإلهًا معبودًا، وبما أُنزِل إليكم من هذا القرآن، وبما أُنزِل إليهم من التوراة والإنجيل متذللين لله، خاضعين له، لا يشترون بآيات الله ثمنًا قليلا من حطام الدنيا، ولا يكتمون