عَذَابٍ غَلِيظٍ} [لقمان: 24]، وقال تعالى: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق: 17]، أي: قليلا وقال تعالى: {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [القصص: 61] " (?).
قال الراغب: " والمتاع: ما فيه تمتع ما، والآية تحتمل وجهين:
أحدهما: أن جعل ما يتمتع به في الدنيا وإن كثر، قليلا في جنب ثواب الله تعالى.
فلا يجب أن يغتر به، إذا اعتبر بما يحصل لأربابها في المآل من العذاب.
والثاني: أنه أراد بالقليل قلة الفناء" (?).
قوله تعالى: {ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} [آل عمران: 197]، أي: " ثم مصيرهم في الآخرة إِلى النار" (?).
قال الطبري: أي: " منياتهم ثم مأواهم جهنم، بعد مماتهم، والمأوى: المصير الذي يأوون إليه يوم القيامة، فيصيرون فيه" (?).
قال الراغب: " وأراد بجهنم: جهنم الدنيا وجهنم الآخرة، تنبيها أن من حصل له مال لا ينفك من شغل لا ينقضى عناؤه، وفقر لا يدرك غناؤه، وحزن على فوت محبوب، وخوف على فقد مطلوب، كأنهم في جهنم من سلب ما لهم، وفي جهنم عند مآلهم، كما قال: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [التوبة: 55] " (?).
قوله تعالى: {وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 197]، أي: " وبئس الفراش والمضجع جهنم" (?).
قال ابن عباس: أي: "بئس المنزل" (?).
وقال مجاهد: أي: "وبئس المضجع" (?). وفي رواية أخرى له: أي" بئس ما مهدوا لأنفسهم" (?).
قال الراغب: " ذكر {المهاد} على سبيل المثل، كقوله: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ} [الأعراف: 41] " (?).
قال يزيد بن معاوية النخعي: "إن الدنيا جعلت قليلا فما بقي منه إلا القليل من قليل" (?).
وقال المستورد الفهري: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع» " (?).
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما الدنيا فيما مضى إلا كمثل ثوب شق باثنين وبقي خيط إلا وكان ذلك الخيط قد انقطع» (?).
الفوائد:
1 - أن الدنيا مهما أعطي الإنسان فيها من النعيم فإنها متاع قليل، قليل زمنه، وفي كميته، وفي كيفيته، ولكن الآخرة خلاف ذلك، قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: "لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها" (?)، فالسوط: متر أو أقل، خير من الدنيا وما فيها، وليست الدنيا الحاضرة فقط، بل خير من كل الدنيا وما فيها من اولها إلى آخرها، وإلى هذا يشير قوله تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)} [الأعلى: 16 - 19].