ولا يظنن الذين يبخلون بما أنعم الله به عليهم تفضلا منه أن هذا البخل خير لهم، بل هو شرٌّ لهم; لأن هذا المال الذي جمعوه سيكون طوقًا من نار يوضع في أعناقهم يوم القيامة. والله سبحانه وتعالى هو مالك الملك، وهو الباقي بعد فناء جميع خلقه، وهو خبير بأعمالكم جميعها، وسيجازي كلا على قدر استحقاقه.
في سبب نزول الآية أقوال:
أحدها: أخرج الطبري وابن أبي حاتم (?) عن السدي: {ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم بل هو شر لهم}، هم الذين آتاهم الله من فضله، فبخلوا أن ينفقوها في سبيل الله، ولم يؤدُّوا زكاتها" (?). وروي عن الحسن نحو ذلك (?). واختاره الطبري (?).
والثاني: أخرج الطبري وابن أبي حاتم (?)، عن ابن عباس: " قوله: {ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله إلى سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة}، يعني: بذلك أهل الكتاب، أنهم بخلوا بالكتاب أن يبينوه للناس" (?).
وذكره الثعلبي عنه بلفظ: " أن هذه الآية نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته، وأراد بالبخل كتمان العلم الذي أتاهم الله" (?).
وروي عن مجاهد: " هم يهود، إلى قوله: {وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} [سورة آل عمران: 184] " (?).
واختاره الزجاج فقال: " هذا يعني به علماء إليهود الذين بخلوا بما آتاهم الله من علم نبوة
النبي - صلى الله عليه وسلم - ومشاقته وعداوته" (?).
والثالث: وقيل: فيمن يبخل بالنفقة في الجهاد. نقله الحافظ (?).
والرابع: وقيل: فيمن بخل على العيال وذي الرحم المحتاج. نقله الحافظ (?).
والراجح هو القول الأول، قال الواحدي: " أجمع جمهور المفسرين على أنها نزلت في مانعي الزكاة" (?)، وقال ابن كثير: " والصحيح الأول، وإن دخل هذا [أي القول الثاني] في معناه" (?).
قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} [آل عمران: 180]، " أي: لا يحسبن البخيل أن جمعه المال ينفعه" (?).
قال السمرقندي: " أي بما أعطاهم الله من المال، يبخلون ويمنعون الزكاة والصدقة وصلة الأرحام، فلا يظنوا أن ذلك هو خيرا لهم" (?).
وقوله تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ} وما بعده في الأربعة مواضع (?) يقرأن بالياء والتاء (?).
قال الزمخشري: " من قرأ بالتاء قدر مضافا محذوفا، أى: ولا تحسبن بخل الذين يبخلون هو خيرا لهم. وكذلك من قرأ بالياء وجعل فاعل يحسبن ضمير رسول الله، أو ضمير أحد. ومن جعل فاعله الذين يبخلون كان