الفضل بن موسى عن رجل قد سماه قال: كان عند الحجاج منجم فأخذ الحجاج حصيات لم يعدهن وقال للمنجم: كم في يدي؟ فحسب فأصاب المنجم، ثم اعتقله الحجاج، فأخذ حصيات لم يعدهن فقال للمنجم: كم في يدي؟ فحسب وحسب ثم أخطأ ثم حسب أيضا فأخطأ، فقال: أيها الأمير أظنك لا تعرف عددها في يدك؟ قال: فما الفرق بينهما؟ قال: إن ذلك أحصيته فخرج عن حد الغيب فحسبت وأصبت، وإن هذا لم يعرف عددها فصار غيبا ولا يعلم الغيب إلا الله" (?).
قوله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [آل عمران: 179]، " أي: أطيعوا الله ورسوله واتبعوه فيما شرع لكم" (?).
قوله تعالى: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 179]، أي: " وإن تصدِّقوا من اجتبيته من رُسلي بعلمي وأطلعته على المنافقين منكم وتتقوا ربكم بطاعته فيما أمركم به نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وفيما نهاكم عنه فلكم ثوابٌ عظيم " (?).
قال محمد بن إسحاق: " أي: ترجعوا وتتوبوا فلكم أجر عظيم " (?).
الفوائد:
1 - أنه تعالى لابدّ ان يميّز الخبيث من الطيب، وذلك بالوحي في عهد النبوة، أو بالقرائن في غير عهد النبوة، لأن القرائن قد تبيّن الخبيث من الطيب بحيث نلاحظ أعماله وننظر كيف يسير وكيف يعمل فيتبيّن لنا خبثه من طيبه.
2 - بيان رحمة الله عزّ وجل بعباده إذ لايتركهم هكذا يشتبه بعضهم ببعض، بل لابد من ميز هذا عن هذا.
3 - بيان حكمة الله في أفعاله وشرعه.
4 - انقسام الناس إلى خبيث وطيب.
5 - ان من ادّعى علم الغيب فهو كاذب، والمراد بالغيب ما غاب غيبا مطلقا وذلك كالذي يكون في المستقبل، وهذا لا يعلمه إلا الله، أما الشيء الحاضر ولكنه غاب من أناس دون أناس فهذا قد يطّلع عليه الإنسان، وإن لم يشاهده بخبر الجن يسيحون في الأرض يذهبون شمالا ويمينا، وهم سريعو التصرف فربما يسعون في الأرض ثم يخبرون أولياءهم بما شاهدوا في أراض بعيدة فيكون هذا غيبا إضافيا، أي بالإضافة إلى قوم دون قوم، فالذين شاهدوه ليس غيبا عندهم، أما البعيدون عنه فإنه غيب عندهم، ويقال: المغيب النسبي.
6 - أن الله قد يطلع الخلق على الغيب بواسطة الرسل.
7 - أن الرسل ممن اجتباهم الله واصطفاهم على الخلق، فهم الصفوة، كما قال: {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ} [ص: 47].
8 - إثبات المشيئة لله عزّ وجل، وكل شيء علّقه الله بالمشية فإنه مقرون بالحكمة.
9 - وجوب الإيمان بالله ورسله عموما.
10 - فضيلة الإيمان والتقوى، وأنه يترتب عليهما الاجر العظيم.
11 - بيان منّة الله على العباد، إذ جعل إثابتهم على العمل بمنزلة الأجر المقرر لهم.
12 - إثبات الجزاء، وأنه من جنس العمل.
القرآن
{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)} [آل عمران: 180]
التفسير: