تدري ما هو، وكذلك كان يوحي اليه بمحضر من أصحابه فيعي ما يتلقاه، وهم لا يعلمون شيئا منه إلا تغيّر حال الرسول عما كان عليه قبل الوحي لأنه عليه السلام كان يعتريه ثقل وشدة حال نزوله حتى أنه ليعرق في الوقت البارد، من عظم ما يلاقي من هيبة كلام الرب جل جلاله (?).
والوحي بمعناه اللغوي يتناول:
1 - الأوامر الإلهية للملائكة، كقوله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ} [الأنفال: 12].
2 - تبليغ الملائكة للأنبياء، ومنه تبليغ الآيات إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-بواسطة ملك الوحي جبريل عليه السلام الموكل بالوحي كما ورد في قوله سبحانه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4] (?). وهذان الجنسان من أعلى وأعظم درجات الوحي.
3 - الإلهام الفطري للإنسان، كالوحي إلى أُم موسى، والوحي للحواريين كما ورد في الآيات التاليات: : {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 7]، وفي قوله تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة: 111] (?).
4 - الإلهام الغريزي للحيوان، كالوحي إلى النحل، قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل: 68] (?). أي: " أنَّ الله سخرها عن طريق الغريزة أنْ تصنع هذه الأشياء العجيبة" (?).
5 - الإشارة السريعة برمز أو إيماء كما ورد رمزاً قوله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11]، فقد ذكر ابن كثير أن زكريا أشار إلى قومه إشارة سريعة ولم يتكلم (?).
وأما الإيماء، فمثاله قول الشاعر (?):
نظرت إليها نظرةً فتحيرت ... دقائق فكري في بديع صفاتها
فأوحى إِليها الطرف أني أحبها ... فأثر ذاك الوحي في وجناتها
6 - الكتابة، ومن ذلك قول لبيد (?):
فمدافعُ الرَّيَّان عُرِّي رَسْمُها ... خَلَقاً كما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها