قال الماتريدي: " أي: لا يضيع من حسناتهم وخيراتهم وإن قل وصغر؛ كقوله - عز وجل -: (نتقبل عنهم أحسن ما عملوا)، وكقوله - عز وجل -: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7]، كقوله - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ... } [النساء: 40] الآية" (?).

قال ابن زيد: " وهذه الآية جمعت المؤمنين كلهم سوى الشهداء، وقلما ذكر الله فضلا ذكر به الأنبياء، وثوابا أعطاهم إلا ذكر ما أعطى الله المؤمنين من بعدهم" (?).

وعن سعيد بن جبير: " {المؤمنين}، يعني: المصدقين" (?).

قرأ الكسائي وحده: {وأن الله لا يضيع} مكسورة الألف، على الاستئناف، وقرأ الباقون {وأن الله}، بالفتح (?)، بمعنى: " يستبشرون بنعمة من الله وفضل، وبأنّ الله لا يضيع أجر المؤمنين" (?).

وقرأ عبد الله {وفضل والله لا يضيع} (?).

الفوائد:

1 - إسناد النعمة إلى مسديها، وهو الله جلّ جلاله، فهم لايرون لأنفسهم فضلا بل يرون المنة والفضل لله عليهم، ولهذا قال: {بنعمة من الله وفضل}.

2 - إثبات عدل الله عزّ وجل، وذلك بعدم إضاعة أجر المؤمنين.

3 - فضيلة الإيمان، وأنه سبب للحصول على الثواب والأجر.

القرآن

{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)} [آل عمران: 172]

التفسير:

الذين لبُّوا نداء الله ورسوله وخرجوا في أعقاب المشركين إلى «حمراء الأسد» بعد هزيمتهم في غزوة «أُحد» مع ما كان بهم من آلام وجراح، وبذلوا غاية جهدهم، والتزموا بهدي نبيهم، للمحسنين منهم والمتقين ثواب عظيم.

في سبب نزول الآية أقوال:

أحدها: أن إن هذا السياق نزل في شأن غزوة "حَمْراء الأسد"، وهو الصحيح.

أخرج الطبري عن ابن عباس قال: "إن الله جل وعز قذف في قلب أبي سفيان الرعب - يعني يوم أحد - بعد ما كان منه ما كان، فرجع إلى مكة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرّفًا، وقد رجع وقذف الله في قلبه الرعب! وكانت وقعة أحد في شوال، وكان التجار يقدَمون المدينة في ذي القعدة، فينزلون ببدر الصغرى في كل سنة مرة، وإنهم قدموا بعد وقعة أحد، وكان أصاب المؤمنين القرح، واشتكوا ذلك إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، واشتد عليهم الذي أصابهم. وإنّ رسول الله ندب الناس لينطلقوا معه، ويتَّبعوا ما كانوا متَّبعين، وقال: إنما يرتحلون الآن فيأتون الحج، ولا يقدرون على مثلها حتى عام مقبل، فجاء الشيطان فخوَّف أولياءه، فقال: إن الناس قد جمعوا لكم! فأبى عليه الناس أن يتبعوه، فقال: إني ذاهبٌ وإن لم يتبعني أحد، لأحضِّضَ الناس، فانتدب معه أبو بكر الصديق، وعمر، وعثمان، وعلي، والزبير، وسعد، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وعبدالله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وأبو عبيدة بن الجراح، في سبعين رجلا فساروا في طلب أبي سفيان، فطلبوه حتى بلغوا الصفراء، فأنزل الله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} " (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015