قال الزمخشري: أي: " {ويستبشرون} بإخوانهم المجاهدين بالذين لم يلحقوا بهم، أى: لم يقتلوا فيلحقوا بهم من خلفهم يريد الذين من خلفهم قد بقوا بعدهم وهم قد تقدموهم. وقيل: لم يلحقوا بهم، لم يدركوا فضلهم ومنزلتهم، والمعنى: ويستبشرون بما تبين لهم من حال من تركوا خلفهم من المؤمنين، وهو أنهم يبعثون آمنين يوم القيامة، بشرهم الله بذلك فهم مستبشرون به. وفي ذكر حال الشهداء واستبشارهم بمن خلفهم بعث للباقين بعدهم على ازدياد الطاعة، والجد في الجهاد، والرغبة في نيل منازل الشهداء وإصابة فضلهم، وإحماد لحال من يرى نفسه في خير فيتمنى مثله لإخوانه في الله، وبشرى للمؤمنين بالفوز في المآب.
قال أبو السعود: " أي ويستبشرون بما تبين لهم من حسن حال إخوانهم الذين تركوهم وهو أنهم عند قتلهم يفوزون بحياة أبدية لا يكدرها خوف وقوع محذور ولا حزن فوات مطلوب أو لا خوف عليهم في الدنيا من القتل فإنه عين الحياة التي يجب أن يرغب فيها فضلا عن أن تخاف وتحذر أي لا يعتريهم ما يوجب ذلك لا أنه يعتريهم ذلك لكنهم لا يخافون ولا يحزنون والمراد بيان دوام انتفاء الخوف والحزن لا بيان انتفاء دوامهما كما يوهمه كون الخبر في الجملة الثانية مضارعا فإن النفي وإن دخل على نفس المضارع يفيد الدوام والاستمرار بحسب المقام" (?).
قال السعدي: " أي: يبشر بعضهم بعضا، بوصول إخوانهم الذين لم يلحقوا بهم، وأنهم سينالون ما نالوا" (?).
قال الطبري: أي: " ويفرحون بمن لم يلحق بهم من إخوانهم الذين فارقوهم وهم أحياء في الدنيا على مناهجهم من جهاد أعداء الله مع رسوله، لعلمهم بأنهم إن استشهدوا فلحقوا بهم صاروا من كرامة الله إلى مثل الذي صاروا هم إليه فهم لذلك مستبشرون بهم، فرحون أنهم إذا صاروا كذلك" (?).
قال المراغي: " أي: ويسرون بإخوانهم المجاهدين الذين لم يقتلوا بعد فى سبيل الله، فيلحقوا بهم من خلفهم، أي أنهم بقوا بعدهم وهم قد تقدموهم" (?).
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، قال: " لما دخلوا الجنة ورأوا ما فيها من الكرامة للشهداء، قالوا: يا ليت إخواننا الذين في الدنيا يعلمون ما عرفناه من الكرامة، فإذا شهدوا القتال باشروها بأنفسهم حتى يستشهدوا فيصيبون ما أصبنا من الخير- فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأمرهم، وما هم فيه من الكرامة، وأخبرهم أني قد أنزلت على نبيكم- وأخبرته بأمركم وما أنتم فيه، فاستبشروا بذلك، فذلك قوله: {ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم}، الآية" (?).
وقال السدي: " فإن الشهيد يؤتى بكتاب فيه من يقدم عليه من إخوانه وأهله، يقال: تقدم عليك فلان، يوم كذا وكذا، تقدم عليك فلان، يوم كذا وكذا، فيستبشر حين تقدم عليه كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا" (?).
قال الثعلبي: وأصل البشارة " من البشرة، لأن الإنسان إذا فرح ظهر أثر السرور في بشرة وجهه" (?).
قوله تعالى: {َألَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران: 170]، " أي: بأنْ لا خوف عليهم في الآخرة ولا هم يحزنون على مفارقة الدنيا" (?).
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير: " في قول الله تعالى: {ألا خوف عليهم}، يعني: في الآخرة" (?)، " {ولا هم يحزنون}، يعني: لا يحزنون للموت (?).
قال ابن كثير: أي: " وأنهم لا يخافون مما أمامهم ولا يحزنون على ما تركوه وراءهم" (?).