المكر والحيلة أن الحيلة قد تكون لإظهار ما يعسر من غير قصد إلى الإضرار، والمكر: التوصل إلى إيقاع المكروه به" (?).

قال الراغب: " المكر في الأصل: حيلة يجلب بها الإنسان إلى مفسدة. وحيلة قد تقال فيما يجلب به إلى مصلحة، وقد يقال في ذلك المكر والخديعة اعتبارا بظاهر الفعل دون المقصد، والحكيم قد يفعل ما صورته صورة المكر، ولكن قصده المصلحة لا المفسدة هذا سئل بعض المحققين عن مكر الله فأنشد (?):

وَيُقَبِّحُ مِنْ سِوَاك الْفِعْل عِنْدِي ... وَتَفْعَلُهُ فَيُحْسِنُ مِنْك ذاكا

فإذن مكر الله قد يكون تارة فعلا يقصد به مصلحة، ويكون تارة جزاء المكر، ويكون تارة بأن لا يقبح مكرهم في عينهم، وذاك بانقطاع التوفيق عنهم وتزيين ذلك في أعينهم، حتى كأنه زينه في أعينهم ومكر بهم، ويكون تارة بإعطائهم ما يريدون من دنياهم. فإذا أعطاهم واستعملوه على غير ما يحب، فكأنه مكر بهم، واستدرجهم من حيث لا يعلمون" (?).

قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: 54]، أي: والله: " أقواهم مكرا وأنفذهم كيدا وأقدرهم على العقاب من حيث لا يشعر المعاقب" (?).

قال مقاتل: " يعني: أفضل مكرا منهم" (?).

قال الثعلبي: " أي أفضل المعاقبين" (?).

قال الواحدي: " أي: أفضل المجازين بالسيئة العقوبة" (?).

قال ابن عثيمين: أي: " ما من أحد يمكر إلا ومكر الله فوقه وخير منه" (?).

قال الماتريدي: " أي: خير الجازين أهل الجور بالعدل، وأهل الخير بالفضل .. والمكر: هو الأخذ بالغفلة، والله يأخذهم بالحق من حيث لا يعلمون؛ فسمي مكرا لذلك؛ كما يقال: امتحنه الله وهو الاستظهار، ولكن لا يراد به هذا في حق الله" (?).

الفوائد:

1 - كيد ومكر أعداء الرسل للرسل وأتباعهم، لقوله: {ومكروا}.

2 - لايوصف الله بالمكر على سبيل الاطلاق، بل يقال: إن الله يمكر بمن يمكر به، ليعود المكر صفة كمال، لأن المكر إذا ذكر مطلقا صار محتملا للنقص، فإذا ذكر مقيدا بأن قيل: إن الله يمكر بمن يمكر به وبأوليائه، صار صفة كمال تدل على قوة الله عزّ وجل وإحاطة علمه، وأن علمه ادق من علم هؤلاء الماكرين على عباد الله بالأسباب الخفية والطرق الملتوية.

القرآن

{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)} [آل عمران: 55]

التفسير:

ومكر الله بهم حين قال الله لعيسى: إني قابضك من الأرض من غير أن ينالك سوء، ورافعك إليَّ ببدنك وروحك، ومخلصك من الذين كفروا بك، وجاعل الذين اتبعوك -أي على دينك وما جئت به عن الله من الدين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015