وفي المعنى نفسه نقل الواحدي عن ابن عباس: " وذلك أن أحد الإنجيلية ممن آمن به، نافق، فدل عليه، فجعله الله تعالى في سورة عيسى، فأخذ فصلب" (?).
قال أهل التواريخ: "حملت مريم بعيسى ولها ثلاثة عشر سنة ودارت بعيسى بيت اللحم من أرض أورشليم لمضي خمسة وستين سنة من غلبة الإسكندر على أرض بابل، ولإحدى وخمسين سنة مضت من ملك الكلدانيين وأوحى الله عز وجلّ لأمّه على رأس ثلاثين سنة، ورفعه إليه من بيت المقدس ليلة القدر من شهر رمضان وهو ابن ثلاثين سنة وكانت نبوّته ثلاث سنين، وعاشت أمّه مريم بعد رفعه ستّ سنين" (?).
قال ابن الجوزي: " قال سعيد بن المسيب: رفع عيسى وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. وقال مقاتل: رفع من بيت المقدس ليلة القدر في رمضان. وقيل: عاشت أمه مريم بعد رفعه ست سنين. ويقال: ماتت قبل رفعه" (?).
وفي قوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54]، ثلاثة أقوال:
أحدهما: أنهم مكروا بالمسيح عليه السلام بالحيلة عليه في قتله، ومكر الله في ردهم بالخيبة لإلقاء شبه المسيح على غيره، وهو معنى قول السدي (?)، ومحمد بن إسحاق (?).
والثاني: مكروا بإضمار الكفر، ومكر الله بمجازاتهم بالعقوبة. وهذا معنى قول الفراء (?).
والثالث: أن مكره بهم أن سلط عليهم فارس، فقتلوهم، وسبوا ذراريهم، لقوله: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا} [الإسراء: 5]. قاله الأصم (?).
قال الزجاج: " المكر من الخلائق خب وخداع، والمكر من الله المجازاة على ذلك فسمي باسم ذلك لأنه مجازاة عليه كما قال - عز وجل: {الله يستهزئ بهم}، فجعل مجازاتهم على الاستهزاء بالعذاب، لفظه لفظ الاستهزاء، وكما قال جل وعز: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] فالأولى سيئة والمجازاة عليها سميت باسمها، وليست في الحقيقة سيئة.
وجائز أن يكون مكر الله استدراجهم من حيث لا يعلمون لأن الله سلط عليهم فارس فغلبتهم وقتلتهم، والدليل على ذلك قوله عز وجل: {الم (1) غلبت الروم (2) في أدنى الأرض (3)} [الروم: 1 - 3].
وقيل في التفسير أيضا إن مكر الله بهم كان في أمر عيسى أنه - صلى الله عليه وسلم - كان في بيت فيه كوة فدخل رجل ليقتله، ورفع عيسى من البيت وخرج الرجل في شبهه يخبرهم أنه ليس في البيت فقتلوه.
وجملة المكر من الله مجازاتهم على ما فعلوا" (?).
قال الواحدي: " قال أهل المعاني: المكر من المخلوقين: خب وخداع، وهو من الله: استدراجه العباد، قال الله تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 182] و [القلم: 44]، قال ابن عباس في تفسيره: كلما أحدثوا خطيئة، جددنا لهم نعمة، وليس المراد بـ {مكر الله} في هذه الآية، هذا الوجه. ووجه {مكر الله} بهم في هذه القصة، ما قال الزجاج" (?).
قال الماوردي: وإنما جاز قوله: {وَمَكَرَ اللَّهُ} على مزواجة الكلام وإن خرج عن حكمه، نحو قوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]، وليس الثاني اعتداءً، وأصل المكر: الالتفاف، ولذلك سمي الشجر الملتف مكراً، والمكر هو الاحتيال على الإنسان لالتفاف المكروه به، والفرق بين