والثاني: أنه لما قال {رَبِّ الْعَالَمِينَ}، يريد به ملك الدنيا، قال بعده: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يريد به ملك الآخرة، ليجمع بين ملك الدنيا والآخرة.
قال الواحدي: " وخص هذا اليوم بأنه مالكه، تعظيما لشأنه وتهويلا لأمره، كقوله: {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} [العاديات: 11] وهو خبير سائر الأيام. وللدين معان كثيرة في اللغة، وكل موضع انتهينا إليه من القرآن ذكرنا ما فيه" (?).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن أبي هريرة، عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله تعالى: كتبت الصلاة بيني وبين عبدي، فإذا قال العبد: مالك يوم الدين قال: فوض عبدي وأثنى علي" (?).
واختلفت القراءة في قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4]، على ثلاثة قراءات متواترة (?):
القراءة الأولى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، بألف، قرأ بها عاصم والكسائي، ويعقوب.
وحجتهم (?):
أولا: أن الملك داخل تحت المالك. والدّليل له: قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ} [آل عمران: 26]، ولم يقل: ملك الملك.
والثاني: ويعضده قوله تعالى: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19] (?).
والثالث: أن {مالك} أمدح من {ملك}، لأنه يجمع الاسم والفعل.
والرابع: ومما يقوي هذِه القراءة من التنزيل قوله {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19] فقولك: الأمر له، وهو مالك الأمر بمعنى، ألا ترى أن لام الجر معناها الملك (?).
وأكثر أهل اللغة اختاروا (مالك)، منهم: "أبو عبيدة، وأبو حاتم (?)، والأصمعي، والأخفش، وأبو العباس (?) " (?).
وقالوا: إنه أجمع وأوسع، لأنه يقال: مالك الطير والدواب والوحوش وكل شيء، ولا يقال: ملك كل شيء، إنما يقال: ملك الناس، قالوا: ولا يكون مالك الشيء إلا وهو يملكه، وقد