والثاني: أنه: "لما سمع النداء - يعني زكريا، لما سمع نداء الملائكة بالبشارة بيحيى - جاءه الشيطان فقال له: يا زكريا، إن الصوت الذي سمعت ليس هو من الله، إنما هو من الشيطان يسخرُ بك! ولو كان من الله أوحاه إليك كما يُوحى إليك في غيره من الأمر! فشكّ مَكانه، وقال: {أنَّي يكون لي غلام}، ذكرٌ؟ يقول: من أين؟ {وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر} ". وهذا قول السدي (?)، وروي عن عكرمة مثله (?).
والثالث: أنه قال ذلك استعظاماً لمقدور الله وتعجباً (?).
والرابع: أنه إنما سأل لأنه نسي دعاءه لطول المدة بين الدعاء والبشارة وذلك أربعون سنة. قاله مكي (?).
قال ابن عطية: " وهذا قول ضعيف المعنى" (?).
قوله تعالى: {كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [آل عمران: 40]، أي: قال الملك: "هكذا أمْرُ الله عظيم، لا يعجزه شيء ولا يتعاظمه أمر" (?).
قال أبو مالك: " قوله: {كذلك}، يعني هكذا" (?).
قال البيضاوي: " أي يَفْعَلُ مَا يَشَاء من العجائب مثل ذلك الفعل، وهو إنشاء الولد من شيخ فان وعجوز عاقر، أو كما أنت عليه وزوجك من الكبر والعقر يَفْعَلُ مَا يَشَاء من خلق الولد أو كذلك الله مبتدأ وخبر أي الله على مثل هذه الصفة" (?).
الفوائد:
1 - من فوئاد الآية الكريمة: أنه لا حرج على الإنسان في طلب ما تطمئن به نفسه، فزكريا-عليه السلام- لم يشكّ في خبر الله، لكن أراد أن يتقدم إليه الفرح والاستبشار بقوة البراهين، وخبر الله لاشك أنه برهان، لكن كلما ازدادت البراهين ازدادت قوة اليقين.
2 - جواز وصف الانسان بما يكره لغرض البيان لا القدح والعيب، لقوله: {وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ}.
3 - إثبات فعل الله، لقوله: {قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}، ومذهب اهل السنة إثبات أفعال الله الاختيارية المتعلقة به والمتعدية إلى غيره.
4 - إثبات المشيئة لله تعالى، لقوله: {مَا يَشَاءُ}، وهي مقرونة بالحكمة، لقوله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان: 30].
القرآن
{قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)} [آل عمران: 41]
التفسير:
قال زكريَّا: رب اجعل لي علامةً أستدلُّ بها على وجود الولد مني; ليحصل لي السرور والاستبشار، قال: علامتك التي طلبتها: ألا تستطيع التحدث إلى الناس ثلاثة أيام إلا بإشارة إليهم، مع أنك سويٌّ صحيح، وفي هذه المدة أكثِرْ من ذكر ربك، وصلِّ له أواخر النهار وأوائله.
قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً} [آل عمران: 41]، أي: ربّي اجعل لي "علامة على حمل امرأتي" (?).
قال ابن كثير: "أي: علامة أستدل بها على وجود الولد مني" (?).