والثاني: أنه كان لا يأتي النساء، وهو قول وعبدالله بن مسعود (?)، وابن عباس- في احد قوليه- (?)، والحسن (?)، ومجاهد (?)، وقتادة (?)، والسدي (?)، وعكرمة (?)، وعطية (?)، وجابر بن زيد (?)، وابن زيد (?)، وسعيد بن جبير (?)، والرقاشي (?).
والثالث: أنه لم يكن له ما يأتي به النساء، لأنه كان معه مثل الهْدبة، وهو قول سعيد بن المسيب (?).
قال ابن عطية: " وأجمع من يعتدّ بقوله من المفسرين على أن هذه الصفة ليحيى عليه السلام إنما هي الامتناع من وطء النساء" (?).
قال ابن كثير: " المقصود أنه مدح يحيى بأنه حصور ليس أنه لا يأتي النساء، بل معناه: أنه معصوم عن الفواحش والقاذورات، ولا يمنع ذلك من تزويجه بالنساء الحلال وغشيانهن وإيلادهن، بل قد يفهم وجود النسل له من دعاء زكريا المتقدم حيث قال: {هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} كأنه قال: ولدًا له ذرية ونسل وعَقِب، والله سبحانه وتعالى أعلم ... وقد قال القاضي عياض في كتابه الشفاء: اعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى أنه كان {حَصُورًا} ليس كما قاله بعضهم: إنه كان هيوبا، أو لا ذكر له، بل قد أنكر هذا حُذَّاقُ المفسرين ونقاد العلماء، وقالوا: هذه نقيصة وعيب ولا تليق بالأنبياء، عليهم السلام، وإنما معناه: أنه معصوم من الذنوب، أي لا يأتيها كأنه حصر عنها" (?).
قوله تعالى {وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 30]، " أي: ويكون نبياً من الأنبياء الصالحين" (?).
قال الزجاج: " الصالح الذي يؤَدي إِلى اللَّه ما عليه ويؤَدي إلى الناس حقوقهم" (?).
قال ابن كثير: " هذه بشارة ثانية بنبوة يحيى بعد البشارة بولادته، وهي أعلى من الأولى كقوله تعالى لأم موسى: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 7] " (?).
الفوائد:
1 - إثبات الملائكة، وأنهم عالم غيبي مخلوقون من نور، خلقهم الله تعالى لما أعدّ لهم، فقاموا به على حسب ما اراد خالقهم عزّ وجل.
2 - إن الملائكة تتكلم بصوت مسموع، لقوله: {فنادته الملائكة}.
3 - جواز تكليم المصلي من قوله: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ}، لكن المكلَّم لا يخاطب الآخر، وإنما يجيبه بالاشارة، والأفضل تركه إلا لحاجة، لأن ذلك يشوش على المصلي.
4 - مشروعية تبشير الانسان بما يسره.
5 - جواز تقديم التسمية على اليوم السابع، في حال كان الاسم مهيئا.
6 - الثناء على من صدّق المرسلين، لقوله: {مصدقا لكلمة من الله}.