ألا لمثلك أو من أنت سابقة ... بسبق الجواد إذا ستويا على الأمد" (?).

وفي قوله تعالى: {وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [آل عمران: 30]، وجوه من التفسير:

أحدها: أن المعنى: " يسر أحدهم أن لا يلقى عمله ذلك أبدا يكون ذلك مناه، وأما في الدنيا فقد كانت خطيئته يستلذها". قاله الحسن (?)، وروي عن مجاهد نحو ذلك (?).

والثاني: أن قوله {أمدا بعيدا}، معناه: مكانا بعيدا. قاله السدي (?).

والثالث: أن معناه أجلا وغاية بعيدا. قاله مقاتل بن سليمان (?)، وابن جريج (?)، وأبو عبيدة (?).

قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 30]، أي: والله "يخوفكم عقابه" (?).

قال مقاتل: " يعني: عقوبته في عمل السوء" (?).

قوله تعالى: {وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 30]، أي: والله رحيم بخلقه" (?).

قال الحسن: " من رأفته بهم أن حذَّرهم نفسه" (?).

الفوائد:

1 - من فوائد الآية: التحذير والتذكير لهذا اليوم العظيم الذي يجد فيه الانسان جزاء عمله خيره وشره.

2 - ومنها: ثبوت الجزاء لكل نفس، وانه جزاء شامل وان غير المكلف يكتب له ولا يكتب عليه، ولا شك بأنه ليس على عمومه فيما يتعلق بالبهائم، فإنها لا تجد هذا.

3 - ومنها: كمال قدرة الله تعالى بإحضار ما عمله الإنسان من قليل وكثير، لقول: {ما} الموصولة التي تفيد العموم.

4 - ومنها: كمال رقابته عزّ وجلّ، وانه لا يفوته شيء، فما عمل الإنسان فسوف يجده.

5 - إثبات يوم الآخر، الذي هو يوم الجزاء.

6 - ومنها: ان الشر يسوء صاحبه، لقوله: {وما عملت من سوء}.

7 - إثبات الشعور في ذلك اليوم لقوله: {تودّ}، لأن المودة خالص المحبة، وهي فرع من الشعور بالشيء.

8 - ومنها: كراهة المسيء لما عمله في ذلك اليوم، لقوله: {تود لو ان بينها وبينه امدا بعيدا}، وأنه يحب ان يكون بينه وبين عمله السيء امدا بعيدا.

9 - رحمة الله بعباده بتحذيرهم من عقوبته، لقوله: {ويحذركم الله نفسه}.

10 - إثبات الرأفة لله عزّ وجلّ، لقوله {رءوف}، والرأفة أسد الرحمة وأرقها.

القرآن

{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)} [آل عمران: 31]

التفسير:

قل -أيها الرسول-: إن كنتم تحبون الله حقا فاتبعوني وآمنوا بي ظاهرًا وباطنًا، يحببكم الله، ويمحُ ذنوبكم، فإنه غفور لذنوب عباده المؤمنين، رحيم بهم.

اختلف في سبب نزول الآية على أقوال:

أحدها: قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: "إن اليهود لما قالت: نحن أبناء الله وأحباؤه، أنزل الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ} الآية، فلما نزلت عرضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأبوا أن يقبلوها" (?).

وقال مقاتل بن سليمان: "لما دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- كعب بن الأشرف وأصحابه إلى الإسلام قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه ولنحن أشد حبا لله مما تدعونا إليه، فقال الله- عز وجل- لنبيه- صلى الله عليه وسلم- {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} " (?).

والثاني: قال الحسن: " قال قومٌ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد، إنا نحبّ ربنا! فأنزل الله عز وجل: " قُل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم "، فجعل اتباع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم عَلَمًا لحبه، وعذاب من خالفه" (?). وروي عن ابن جريج مثل ذلك (?).

والثالث: وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: "وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - على قريش وهم في المسجد الحرام، وقد نصبوا أصنامهم وعلقوا عليها بيض النعام، وجعلوا في آذانها الشنوف والقرطة، وهم يسجدون لها، فقال: "يا معشر قريش لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم وإسماعيل، ولقد كانا على الإسلام"، فقالت قريش: يا محمد إنما نعبد هذه حبا لله ليقربونا إلى الله زلفى، فأنزل الله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله} وتعبدون الأصنام لتقربكم إليه {فاتبعوني يحببكم الله} "فأنا رسوله إليكم وحجته عليكم، وأنا أولى بالتعظيم من أصنامكم" (?).

قال ابن حجر: " وهذا من منكرات جويبر فإن آل عمران مدنية، وهذه القصة إنما كانت بمكة قبل الهجرة، ولعل الذي نزل فيهما في أوائل الزمر" (?).

والرابع: ونقل الواحدي عن محمد بن جعفر بن الزبير: " نزلت في نصارى نجران، وذلك أنهم قالوا: إنما نعظم المسيح ونعبده حبا لله وتعظيما له، فأنزل الله تعالى هذه الآية ردا عليهم (?).

قوله تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]، أي قل لهم يا محمد إِن كنتم حقاً تحبون الله فاتبعوني يحبكم الله" (?).

أخرج ابن أبي حاتم بسنده "عن أبي الدرداء في قوله {إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} على البر، والتقوى، والتواضع، وذلة النفس" (?).

وقال الحسن: " فكان علامة حبه إياهم اتباع سنة رسوله" (?).

قال ابن كثير: " أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء: ليس الشأن أن تُحِبّ، إنما الشأن أن تُحَبّ" (?).

قوله تعالى: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 32]، أي: " ويغفر لكم ما سلف من الذنوب" (?).

قال محمد بن إسحاق: " أي: ما مضى من كفركم" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015