قال الزجاج: " جائز أن يكون حكاية عن الموحدين، وجائز أن يكون إخباراً عن اللَّه، وجائز فتح {أن اللَّه لا يخلف الميعاد}، فيكون المعنى" جامع الناس لأنك لا تخلف الميعاد، أي: قد أعلمتنا ذلك ونحن غير شَاكِّين فيه" (?).

قال الواحدي: " ولا يدل هذا على تخليد مرتكبي الكبائر من المسلمين في النار، وإن وعد ذلك بقوله: {ومن يعص الله ورسوله} [النساء: 14]. الآية؛ لأن المراد بالميعاد ههنا يوم القيامة، لأن الآية وردت في ذكره. أو يحمل هذا على ميعاد الأولياء دون وعيد الأعداء؛ لأن خلف الوعيد كرم عند العرب، والدليل: أنهم يمدحون بذلك، ومنه قول الشاعر (?):

إذا وعد السراء أنجز وعده ... وإن وعد الضراء فالعفو مانعه

قال الأصمعي: جمعنا بين أبي عمرو بن العلاء، وبين محمد بن مسعود الفدكي، فقال أبو عمرو: ما تقول؟ قال: أقول: إن الله وعد وعدا، وأوعد إيعادا، فهو منجز إيعاده، كما هو منجز وعده. فقال أبو عمرو: إنك رجل أعجم، لا أقول: أعجم اللسان، ولكن أعجم القلب. إن العرب تعد الرجوع عن الوعد لؤما، وعن الإيعاد كرما، وأنشد (?):

وإني وإن أوعدته أو وعدته ... ليكذب إيعادي ويصدق موعدي

أو تقول: هذا عام في وعيد الأولياء، ووعيد الكفار، فأما مرتكبو الكبائر، فهم مخصوصون بقوله تعالى: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48] " (?).

الفوائد:

1 - أن يوم القيمة آت لاريب فيه؛ لقوله: {ليوم لاريب فيه}، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 9].

2 - ومنها: تمام قدرة الله سبحانه وتعالى بجمع الناس كلهم في هذا اليوم؛ ومع هذا فإن هذا الجمع لا يحتاج إلى مدة {فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة} [النازعات: 13 - 14].

3 - ومنها: حكمة الله عزوجل في جمع الناس لهذا اليوم؛ لأن هذا الجمع له ما بعده وهو جزاء كل عامل بما عمل كما قال تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التغابن: 9 - 1 - ]، إذا فهذا الجمع لحكمة وهو: جزاء العامل بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015