الوجه الأول: إنّهم أرادوا القرآن خاصّة.
والوجه الثاني: إنّهم أرادوا جميع الكتب، يقول العرب: كثر اللبن وكثر الدرهم والدينار في أيدي الناس، يريدون الألبان والدراهم والدنانير. يدلّ عليه قوله: {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ} [البقرة: 216].
والثاني: {كُتُبِهِ}، بالجمع قرأه الباقون، وهو ظاهر كقوله: {وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ}.
وقوله تعالى: {وَرُسُلِهِ} [البقرة: 285]، "قرأ الحسن وابن سلمة بسكون السين لكثرة الحركات، وكذلك روى العباس عن ابن عمرو، وروى عن نافع وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. مخفّفين، الباقون بالإشباع فيها على الأصل" (?).
قوله تعالى: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285]، " أي: لا نؤمن بالبعض ونكفر بالبعض كما فعل اليهود والنصارى، بل نؤمن بجميع رسل الله دون تفريق" (?).
قال مقاتل بن حيان: " لا نكفر بما جاءت به الرسل، ولا نفرق بين أحد منهم، ولا نكذب" (?).
وروي " عن يحيى بن يعمر، أنه كان يقرأ {كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله}، يقول: كل آمن، وكل لا يفرق" (?).
قال الزجاج: " أي لا نفعل كما فعل أهل الكتاب قبلنا. الذين آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعض، نحو كفْر إليهود بعيسى، وكفْر النصارى بغيره فأخبر عن المؤمنين أنهم يقولون {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} " (?).
قال القاسمي: " أي بردّ بعض وقبول بعض، ولا نشك في كونهم على الحق وبالحق" (?).
قال ابن زيد: " كما صنع القوم - يعني بني إسرائيل - قالوا: فلان نبي، وفلان ليس نبيا، وفلان نؤمن به، وفلان لا نؤمن به" (?).
قال الواحدي: "معناه: لا نفعل كما فعل أهل الكتاب، حيث آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعض، بل نجمع بين الرسل كلهم في الإيمان بهم" (?).
وإنّما قال {بين أحد}، ولم يقل (آحاد)، لأن الآحاد يكون للواحد والجميع، قال الله {فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ} [الحاقة: 47].
وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما أحلّت الغنائم لأحد سود الرؤوس غيركم» (?)، قال رؤبة (?):
ماذا [أمور] الناس ديكت دوكا ... لا يرهبون أحدا رواكا (?)
واختلفت القراءة في قوله تعالى: {لَا نُفَرِّقُ} على ثلاثة وجوه (?):
أحدها: {لا نفرّقن}، كما في مصحف عبد الله.