والثاني: {فَيَغْفِرْ} و {يُعَذِّبْ}، بالجزم، قرأه ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي، ووجه "أنه أتبعه ما قبله ولم يقطعه، أي: عطفا على ما قبله، على معنى جواب الشرط، وهو قوله: {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284]، "وهكذا تحسن المشاكلة في كلامهم" (?).
والثالث: {فَيَغْفِرَ} و {يُعَذِّبَ}، بالنصب، وهي قرءة ابن عباس والأعرج وأبي حيوة، على إضمار «أن»، وهو معطوف على المعنى كما في قوله: فَيُضاعِفَهُ [الحديد 11].
والرابع: وقرأ الجعفي وخلاد وطلحة بن مصرف {يغفر} بغير الـ (فاء)، وروي أنها كذلك في مصحف ابن مسعود، قال ابن جني: " هي على البدل من يحاسبكم فهي تفسير المحاسبة، وهذا كقول الشاعر (?):
رويدا بني شيبان بعض وعيدكم ... تلاقوا غدا خيلي على سفوان
تلاقوا جيادا لا تحيد عن الوغى ... إذا ما غدت في المأزق المتدان
فهذا على البدل، وكرر الشاعر الفعل لأن الفائدة فيما يليه من القول" (?).
قوله تعالى: {وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} [البقرة: 284]، أي: " ويعاقب من يشاء" (?).
قال ابن عطية: " يعني من العصاة الذين ينفذ عليهم الوعيد" (?).
قال الزحيلي: " لأنه لم يعمل خيرا يكفر عنه سيئاته، ولم يتب إلى الله" (?).
قال الزمخشري: "ممن استوجب العقوبة بالإصرار" (?). وهذه نزعة اعتزالية. سبق أن ردّ عليه أبو حيان (?).
وروي " عن ابن عباس، قوله: {ويعذب من يشاء}، قال: وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب" (?).
وروي " عن مجاهد، في قوله: {ويعذب من يشاء}، قال: يعذب من يشاء على الصغير" (?). وروي عن سفيان الثوري مثله (?).
وقيل: "تعلق بهذه قوم ممن قال بجواز تكليف ما لا يطاق، وقال إن الله قد كلفهم أمر الخواطر، وذلك مما لا يطاق" (?). قال ابن عطية: "وهذا غير بين، وإنما كان أمر الخواطر تأويلا تأوله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت تكليفا إلا على الوجه الذي ذكرنا من تقدير النبي صلى الله عليه وسلم إياهم على ذلك" (?).