قال الثعلبي: " وأجمعوا: إن الرهن لا يصح إلّا بالقبض، وقال مجاهد: "ليس الرهن إلّا في السفر عند عدم الكاتب" (?)، وأجاز غيره في جميع الأحوال، ورهن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم درعه عند يهوديّ (?) " (?).
وقد اختلفت القراءة في قوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]، على وجوه (?):
أحدها: {فَرِهَانٌ}، وهو جمع (الرهن)، وهي قراءة عامة أهل الحجاز والعراق.
الثاني: {فَرُهُنٌ}، بضم الراء والهاء، على معنى جمع: (رِهان)، و (رُهن) جمع الجمع. وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير، وروي عنهما تخفيف الهاء.
الثالث: {فَرُهْنٌ} مخففة الهاء، على معنى جماع (رَهْن)، وهي قراءة عكرمة والمنهال وعبدالوارث (?).
والرهن في اللغة: " يدل على ثبات شيء يمسك بحق أو غيره. من ذلك الرهن: الشيء يرهن، تقول: رهنت الشيء رهناً، ولا يقال: أرهنت". (?)
وتطلق كلمة الرهن في لغة العرب على عدة معان ً منها:
أولا: الثبوت والدوام، يقال: نعمة راهنة أي: دائمة، وماء راهن أي: راكد وثابت، وأرهنت لهم الطعام والشراب إرهاناً أي: أدمته، وهو طعام راهن أي: دائم. (?)
ثانيا: الحبس، يقال: رهنته المتاع بالدَّين رهناً حبسته به فهو مرهون، والأصل مرهون بالدَّين فحذف للعلم به (?)، ورهن الشيء جعل الشيء محبوساً (?)، وكل ما احتبس به شيء فرهينه ومرتهنه" (?)، ومنه قوله تعالى: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21].
ثالثا: ويطلق الرهن ويراد به العين المرهونة، وهي: ما وضع عند المرتهن مقابل ما أخذه الراهن منه، وهذا من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول، ومن ذلك ما ورد في لسان العرب: أن الرهن هو: ما وضع عند الإنسان مما ينوب مناب ما أخذ منه، يقال: رهنت فلاناً داراً رهناً، وارتهنته إذا أخذه رهناً. (?)
ولا يوجد تعارض بين هذه الإطلاقات فكلها متقاربة؛ لأن الحبس فيه لزوم الشيء المحبوس، والدائم والثابت لازم ومحبوس، والإطلاق الأخير للرهن يعرِّف الرهن بمحله وهو المال المرهون.
وقد اختلفت عبارات الفقهاء في تعريف الرهن، نظراً لاختلافهم في أحكامه وشروطه:
فعند الحنفية: الرهن: "حبس شيء مالي بحق يمكن استييفاؤه منه ـ كالدَّين ـ حقيقة أو حكماً، كالأعيان المضمونة بالمثل أو القيمة" (?)
واعترض على هذا التعريف بأنه غير جامع، وذلك لعدم شموله للرهن غير التام أو غير اللازم، وكذا لم يشمل رهن الأعيان المضمونة لقوله (كالدَّين).