قوي الندب وقرب من الوجوب، وإذا علم أن الحق يذهب ويتلف بتأخر الشاهد عن الشهادة فواجب عليه القيام بها، لا سيما إن كانت محصلة، وكان الدعاء إلى أدائها، فإن هذا الظرف آكد لأنها قلادة في العنق وأمانة تقتضي الأداء" (?).
وقال ابن كثير: " وقيل - وهو مذهب الجمهور -: المراد بقوله: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} للأداء، لحقيقة قوله: {الشُّهَدَاء} والشاهد حقيقة فيمن تحمَّل، فإذا دعي لأدائها فعليه الإجابة إذا تعينت وإلا فهو فرض كفاية، والله أعلم" (?).
نفهم من الكلام بأن الشهادة "فرضُ ذلك على مَن دعي للإشهاد على الحقوق إذا لم يوجد غيره، فأما إذا وُجد غيره فهو في الإجابة إلى ذلك مخيَّر، إن شاء أجاب، وإن شاء لم يجب" (?). وهذا قول الشعبي (?)، وروي عن الربيع (?) , وابن عباس (?)، وقتادة (?) نحو ذلك.
كما وتكون الشهادة واجبة: إذا تعينت عليه؛ بأن يعلم أنه إذا لم يؤدها ضاع الحق، قال في تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام: "ولا يحل لأحد الشاهدين أن يمتنع من الأداء، ويحيل المشهود له على يمينه مع الشاهد الآخر؛ لأن في الحلف كلفة، وكثير من الناس من يكره اليمين ولو تحقق صدق حلفه، فإن فعل الشاهد ذلك فهو آثم؛ لقوله تعالى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} الآية"، (?) وهل تتعين إذا دعي إليها وقد تحملها غيره؟ قولان:
الأول: يؤثم؛ لأنه تعين بدعوته، وهو منهي عن الامتناع؛ لقوله تعالى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282].
والثاني: لا يأثم؛ لأن غيره يقوم مقامه، والأول أصح (?).
وقوله تعالى: {وَلا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ} [البقرة: 282]، " أي لا تملّوا أن تكتبوا الدين صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً أو كثيراً إِلى وقت حلول ميعاده" (?).
روي " عن مقاتل، في قول الله: {ولا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله}، جمعت الصغير والكبير في الدين، سواء أمر أن يشهد عليه، وأن يكتب" (?).
وروي " عن سعيد بن جبير، في قول الله: {إن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله}، يعني: أن تكتبوا قليل الحق وكثيره إلى أجله لأن الكتاب أحصى للأجل والمال" (?).
قال الواحدي: " لا يمنعكم الضجر والملالة أن تكتبوا ما شهدتم عليه من الحق، صغر أو كبر، قل أو كثر" (?).