معسر: في أنه منظر إلى ميسرته، لأن دين كل ذي دين، في مال غريمه، وعلى غريمه قضاؤه منه - لا في رقبته. فإذا عدم ماله، فلا سبيل له على رقبته بحبس ولا بيع، وذلك أن مال رب الدين لن يخلو من أحد وجوه ثلاثة: إما أن يكون في رقبة غريمه، أو في ذمته يقضيه من ماله، أو في مال له بعينه، فإن يكن في مال له بعينه، فمتى بطل ذلك المال وعدم، فقد بطل دين رب المال، وذلك ما لا يقوله أحد، ويكون في رقبته، فإن يكن كذلك، فمتى عدمت نفسه، فقد بطل دين رب الدين، وإن خلف الغريم وفاء بحقه وأضعاف ذلك، وذلك أيضا لا يقوله أحد، فقد تبين إذا، إذ كان ذلك كذلك، أن دين رب المال في ذمة غريمه يقضيه من ماله، فإذا عدم ماله فلا سبيل له على رقبته، لأنه قد عدم ما كان عليه أن يؤدي منه حق صاحبه لو كان موجودا، وإذا لم يكن على رقبته سبيل، لم يكن إلى حبسه وهو معدوم بحقه، سبيل، لأنه غير مانعه حقا، له إلى قضائه سبيل، فيعاقب بمطله إياه بالحبس" (?).

قوله تعالى: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 280]، "أي: تُبرءوا المعسر في دينه" (?) فهو أكرم وأفضل.

قال البغوي: " أي تتركوا رءوس أموالكم إلى المعسر" (?).

قال ابن عاشور: " أي أن إسقاط الدين عن المعسر والتنفيس عليه بإغنائه أفضل، وجعله الله صدقة لأن فيه تفريج الكرب وإغاثة الملهوف" (?).

أخرج ابن أبي حاتم " عن إبراهيم: {وأن تصدقوا خير لكم}، قال: برأس المال" (?). قال ابن أبي حاتم: "وروي عن قتادة والسدي والربيع ومقاتل بن حيان، نحو ذلك" (?).

وقال سعيد بن جبير: " من تصدق بدين له على معدم، فهو أعظم لأجره" (?). وفي رواية أخرى له: " {وأن تصدقوا خير لكم}: فهو أعظم لأجره، ومن لم يتصدق عليه لم يأثم، ومن حبس معسرا في السجن، فهو آثم، لقوله: فنظرة إلى ميسرة ومن كان عنده ما يستطيع أن يؤدي عن دينه فلم يفعل، كتب ظالما" (?).

قال الطبري: " وأن تتصدقوا برؤوس أموالكم على هذا المعسر، {خير لكم} أيها القوم من أن تنظروه إلى ميسرته" (?).

قال الآلوسي: " أي وتصدقكم على معسري غرمائكم برؤوس أموالكم كلا أو بعضا، أكثر ثوابا من الإنظار، أو خير مما تأخذونه لنفاد ذلك وبقاء هذا" (?).

قال ابن عطية: " وندب الله تعالى بهذه الألفاظ إلى الصدقة على المعسر وجعل ذلك خيرا من إنظاره" (?).

قال ابن عاشور: " وإن أريد بالعسرة ضيق الحال وإضرار المدين بتعجيل القضاء فالطلب يحتمل الوجوب، وقد قال به بعض الفقهاء، ويحتمل الندب، وهو قول مالك والجمهور، فمن لم يشأ لم ينظره ولو ببيع جميع ماله لأن هذا حق يمكن استيفاؤه، والإنظار معروف والمعروف لا يجب. غير أن المتأخرين بقرطبة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015