وقيل في تفسير قوله تعالى: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ}، أي: "محسنا صالحا بل يريده مسيئا فاجرا، ويحتمل أن يريد والله لا يحب توفيق الكفار الأثيم، وهذه تأويلات مستكرهة، أما الأول فأفرط في تعدية الفعل وحمله من المعنى ما لا يحتمله لفظه، وأما الثاني فغير صحيح المعنى، بل الله تعالى يحب التوفيق على العموم ويحببه، والمحب في الشاهد يكون منه ميل إلى المحبوب ولطف به، وحرص على حفظه، وتظهر دلائل ذلك، والله تعالى يريد وجود الكافر على ما هو عليه، وليس له عنده مزية الحب بأفعال تظهر عليه نحو ما ذكرناه في الشاهد، وتلك المزية موجودة للمؤمن، ولما انقضى ذكرهم عقب بذكر ضدهم ليبين ما بين الحالين" (?).
قال الصابوني: " وفي الآية تغليظ في أمر الربا وإِيذان بأنه من فعل الكفار" (?).
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: محق الربا: إما حساً، وإما معنًى، كما سبق.
2 - ومنها: التحذير من الربا، وسد أبواب الطمع أمام المرابين.
3 - ومنها: أن الله يرْبي الصدقات - أي يزيدها؛ والزيادة إما أن تكون حسية؛ وإما أن تكون معنوية؛ فإن كانت حسية فبالكمية، مثل أن ينفق عشرة، فيخلف الله عليه عشرين؛ وأما المعنوية فأن يُنْزل الله البركة في ماله.
4 - ومنها: مقابلة الضد بالضد؛ فكما أن الربا يُمحَق، ويزال؛ فالصدقة تزيد المال، وتنميه؛ لأن الربا ظلم، والصدقة إحسان.
5 - ومنها: إثبات المحبة لله عز وجل؛ لقوله تعالى: {والله لا يحب كل كفار أثيم}؛ ووجه الدلالة أن نفي المحبة عن الموصوف بالكفر، والإثم يدل على إثباتها لمن لم يتصف بذلك - أي لمن كان مؤمناً مطيعاً؛ ولولا ذلك لكان نفي المحبة عن «الكفار الأثيم» لغواً من القول لا فائدة منه؛ ولهذا استدل الشافعي - رحمه الله - بقوله تعالى: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} [المطففين: 15] على أن الأبرار يرون الله عز وجل؛ لأنه لما حجب الفجار عن رؤيته في حال الغضب دل على ثبوتها للأبرار في حال الرضا؛ وهذا استدلال خفي جيد؛ والمحبة الثابتة لله عز وجل هي محبة حقيقية تليق بجلاله، وعظمته؛ وليست - كما قال أهل التعطيل - إرادة الثواب، أو الثواب؛ لأن إرادة الثواب ناشئة عن المحبة؛ وليست هي المحبة؛ وهذه القاعدة - أعني إجراء النصوص على ظاهرها في باب صفات الله - اتفق عليها علماء السلف، وأهل السنة والجماعة؛ لأن ما يتحدث الله به عن نفسه أمور غيبية يجب علينا الاقتصار فيها على ما ورد.
القرآن
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)} [البقرة: 277]
التفسير:
إن الذين صدقوا الله ورسوله، وعملوا الأعمال الطيبة، وأدَّوا الصلاة كما أمر الله ورسوله، وأخرجوا زكاة أموالهم، لهم ثواب عظيم خاص بهم عند ربهم ورازقهم، ولا يلحقهم خوف في آخرتهم، ولا حزن على ما فاتهم من حظوظ دنياهم.
قال ابن كثير: " ثم قال تعالى مادحا للمؤمنين بربهم، المطيعين أمره، المؤدين شكره، المحسنين إلى خلقه في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، مخبرًا عما أعد لهم من الكرامة، وأنهم يوم القيامة من التبعات آمنون" (?).