كأنه قال: ومن عاد إلى ما سلف ذكره، وهو فعل الربا واعتقاد جوازه والاحتجاج عليه بقياسه على البيع. ولا شك أن من تعاطى معاملة الربا مستحلا لها مكابرا في تحريمها، مسندا إحلالها إلى معارضة آيات الله البينات، بما يتوهمه من الخيالات- فقد كفر ثم ازداد كفرا. وإذ ذاك يكون الموعود بالخلود في الآية من يقال إنه كافر مكذب غير مؤمن. وهذا لا خلاف فيه، فلا دليل إذا للمعتزلة على اعتزالهم في هذه الآية. والله الموفق" (?).

قال ابن عاشور: " وجعل العائد خالدا في النار إما لأن المراد العود إلى قوله: إنما البيع مثل الربا، أي عاد إلى استحلال الربا وذلك نفاق فإن كثيرا منهم قد شق عليهم ترك التعامل بالربا، فعلم الله منهم ذلك وجعل عدم إقلاعهم عنه أمارة على كذب إيمانهم، فالخلود على حقيقته. وإما لأن المراد العود إلى المعاملة بالربا، وهو الظاهر من مقابلته بقوله: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى والخلود طول المكث كقول لبيد (?):

فَوَقَفْتُ أَسْأَلُهَا وَكَيفَ سُؤَالُنَا ... صُمًّا خَوَالِدَ مَا يَبِيْنُ كَلامُهَا

ومنه: خلد الله ملك فلان.

وتمسك بظاهر هاته الآية ونحوها الخوارج القائلون بتكفير مرتكب الكبيرة كما تمسكوا بنظائرها، وغفلوا عن تغليظ وعيد الله تعالى في وقت نزول القرآن إذ الناس يومئذ قريب عهدهم بكفر. ولا بد من الجمع بين أدلة الكتاب والسنة" (?).

الفوائد:

1 - من فوائد الآية: التحذير من الربا، حيث شبه آكله بمن يتخبطه الشيطان من المس.

2 - ومنها: أن من تعامل بالربا فإنه يصاب بالنهمة العظيمة في طلبه.

3 - ومنها: أن الشيطان يتخبط بني آدم فيصرعه؛ ولا عبرة بقول من أنكر ذلك من المعتزلة، وغيرهم؛ وقد جاءت السنة بإثبات ذلك؛ والواقع شاهد به؛ وقد قسم ابن القيم - رحمه الله - في زاد المعاد الصرع إلى قسمين: صرع بتشنج الأعصاب؛ وهذا يدركه الأطباء، ويقرونه، ويعالجونه بما عندهم من الأدوية، والثاني: صرع من الشيطان؛ وذلك لا علم للأطباء به؛ ولا يعالج إلا بالأدوية الشرعية كقراءة القرآن، والأدعية النبوية الواردة في ذلك.

4 - ومن فوائد الآية: بيان علة قيام المرابين كقيام الذي يتخبطه الشيطان من المس؛ وهي: {أنهم قالوا إنما البيع مثل الربا} يعني: فإذا كان مثله فلا حرج علينا في طلبه.

5 - ومنها: مبالغة أهل الباطل في ترويج باطلهم؛ لأنهم جعلوا المقيس هو المقيس عليه؛ لقولهم: {إنما البيع مثل الربا}؛ وكان مقتضى الحال أن يقولوا: إنما الربا مثل البيع.

6 - ومنها: أن الحكم لله - تبارك وتعالى - وحده؛ فما أحله فهو حلال؛ وما حرمه فهو حرام سواء علمنا الحكمة في ذلك، أم لم نعلم؛ لأنه تعالى رد قولهم: {إنما البيع مثل الربا} بقوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا}؛ فكأنه قال: ليس الأمر إليكم؛ وإنما هو إلى الله.

7 - ومنها: أن بين الربا والبيع فرقاً أوجب اختلافهما في الحكم؛ فإنا نعلم أن الله تعالى لا يفرق بين شيئين في الحكم إلا وبينهما فرق في العلة، والسبب المقتضي لاختلافهما؛ لقوله تعالى: {أليس الله بأحكم الحاكمين} [التين: 8]، وقوله تعالى: {ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} [المائدة: 50].

8 - ومنها: أن ما أخذه الإنسان من الربا قبل العلم فهو حلال له بشرط أن يتوب، وينتهي؛ لقوله تعالى: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015