المصروعين - والعياذ بالله - يشهدهم الناس كلهم؛ وهذا القول هو قول جمهور المفسرين" (?). قال ابن عطية: " ويقوي هذا التأويل المجمع عليه في أن في قراءة عبد الله بن مسعود {لا يقومون يوم القيامة إلا كما يقوم} " (?).
واختلفوا في مس الجنون، هل هو بفعل الشيطان؟ (?):
القول الأول: أنه من فعل الله بما يحدثه من غلبة السوداء فيصرعه، ينسب إلى الشيطان مجازاً تشبيهاً بما يفعله من إغوائه الذي يصرعه.
والقول الثاني: أنه من فعل الشيطان بتمكين الله له من ذلك في بعض الناس دون بعض، لأنه ظاهر القرآن وليس في العقل ما يمنعه.
قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قالوا إِنَّمَا البيع مِثْلُ الرِّبَا} "أي: ذلك التخبط والتعثر (?) بسبب استحلالهم ما حرّمه الله، وقولهم: الربا كالبيع فلماذا يكون حراماً؟ " (?).
قال سعيد بن جبير: " فهو الرجل إذا حل ماله على صاحبه فيقول المطلوب للطالب: زدني في الأجل، وأزيدك على مالك، فإذا فعل ذلك قيل لهم: هذا ربا. قالوا: سواء علينا أن زدنا في أول البيع، أو عند محل المال فهما سواء، فذلك قوله: قالوا إنما البيع مثل الربا: لقولهم: إن زدنا في أول البيع أو عند محل المال، فهما سواء" (?).
قال ابن عطية: " معناه عند جميع المتأولين في الكفار، وأنه قول تكذيب للشريعة ورد عليها، والآية كلها في الكفار المربين نزلت ولهم قيل {فَلَهُ ما سَلَفَ}، ولا يقال ذلك لمؤمن عاص، ولكن يأخذ العصاة في الربا بطرف من وعيد هذه الآية" (?).
قال ابن عثيمين: الباء في قوله {بِأَنَّهُمْ}، " للسببية؛ يعني أنهم عُمّي عليهم الفرق بين البيع، والربا؛ أو أنهم كابروا فألحقوا الربا بالبيع؛ ولذلك عكسوا التشبيه، فقالوا: إنما البيع مثل الربا، ولم يقولوا: «إنما الربا مثل البيع»، كما هو مقتضى الحال" (?).
قال القرطبي: " أي إنما الزيادة عند حلول الأجل آخرا كمثل أصل الثمن في أول العقد، وذلك أن العرب كانت لا تعرف ربا إلا ذلك، فكانت إذا حل دينها قالت للغريم: إما أن تقضي وإما أن تربي، أي تزيد في الدين. فحرم الله سبحانه ذلك ورد عليهم قولهم بقوله الحق: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة: 275] وأوضح أن الأجل إذا حل ولم يكن عنده ما يؤدي أنظر إلى الميسرة. وهذا الربا هو الذي نسخه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله يوم عرفة" (?).
قال ابن كثير: " أي: إنما جُوزُوا بذلك لاعتراضهم على أحكام الله في شرعه، وليس هذا قياسًا منهم للربا على البيع؛ لأن المشركين لا يعترفون بمشروعية أصل البيع الذي شرعه الله في القرآن، ولو كان هذا من