و (التعفف): هو تَرْك مسألة الناس، من (العفة) عن الشيء، والعفة عن الشيء، تركه، كما قال رؤبة (?):

فَعَفَّ عَنْ أسْرَارِهَا بَعْدَ العَسَقْ ... وَلَمْ يَضَعْها بيْنَ فَرك وعشق

يعني بَرئ وتجنَّبَ (?).

وقوله تعالى {يَحْسَبُهُمُ [البقرة: 273]، فيه قراءتان (?):

الأولى: قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: {يَحْسِبُهُمُ} بكسر السين في كلّ القرآن.

الثانية: وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة: {يَحْسَبُهُمُ}، بفتح السين في كلّ القرآن (?).

قال أبو علي الفارسي: "القراءة بـ (تحسَب) بفتح السّين أقيس، لأنّ الماضي إذا كان على فعل نحو حسب، كان المضارع على يفعل مثل: فرق يفرق، وشرب يشرب، وشذّ يحسب فجاء على يفعل في حروف أخر. والكسر حسن لمجيء السمع به، وإن كان شاذا عن القياس" (?).

وقوله تعالى: {مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: 273]، فإن {مِنَ} لابتداء الغاية، أي من تعففهم ابتدأت محسبته، وليست لبيان الجنس، لأن الجاهل بهم لا يحسبهم أغنياء غناء تعفف، وانما يحسبهم أغنياء غناء مال، ومحسبته من التعفف ناشئة، وهذا على أنهم متعففون عفة تامة عن المسألة، وهو الذي عليه جمهور المفسرين (?).

قوله تعالى: {تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ} [البقرة: 273]، أي: "تعرفهم يا محمد بعلامتهم وآثارهم" (?).

قال الصابوني: "أي: تعرف حالهم أيها المخاطب بعلامتهم من التواضع وأثر الجهد" (?).

قال ابن كثير: " بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم كما قال تعالى: {سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} [الفتح: 29]، وقال: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30]، وفي الحديث الذي في السنن: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» (?)، ثم قرأ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر: 75] " (?).

وروي " عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس المسكين بالطواف عليكم، فتعطونه لقمة لقمة، إنما المسكين المتعفف الذي لا يسأل الناس إلحافا" (?).

وذكر أهل التفسير في المراد بقوله تعالى {بِسِيمَاهُمْ} [البقرة: 273] هُنَا ستة أقوال:

أحدها: التخشع والتواضع، قاله مجاهد (?).

والثاني: الفقر، قاله السدي (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015