الرابع: أنها غير واجبة، وإنما الأمر بها ندب وإرشاد، وهو قول شريح (?).
الخامس: أنها واجبة لغير المدخول بها إذا لم يُسمّ لها صداق، وهو قول الشافعي (?).
قال الطبري: " وكأن قائلي هذا القول ذهبوا في تركهم إيجاب المتعة فرضا للمطلقات، إلى أن قول الله تعالى ذكره: " حقا على المحسنين "، وقوله: " حقا على المتقين "، دلالة على أنها لو كانت واجبة وجوب الحقوق اللازمة الأموال بكل حال، لم يخصص المتقون والمحسنون بأنها حق عليهم دون غيرهم، بل كان يكون ذلك معموما به كل أحد من الناس، وأما موجبوها على كل أحد سوى المطلقة المفروض لها الصداق، فإنهم اعتلوا بأن الله تعالى ذكره لما قال: " وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين "، كان ذلك دليلا على أن لك مطلقة متاعا سوى من استحدثناه الله تعالى ذكره في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. فلما قال: " وإذ طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم "، كان في ذلك دليل عندهم على أن حقها النصف مما فرض لها، لأن المتعة جعلها الله في الآية التي قبلها عندهم، لغير المفروض لها. فكان معلوما عندهم بخصوص الله بالمتعة غير المفروض لها، أن حكمها غير حكم التي لم يفرض لها إذا طلقها قبل المسيس، فيما لها على الزوج من الحقوق" (?).
والراجح هو قول من قال: " لكل مطلقة متعة، لأن الله تعالى ذكره قال: {وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين}، فجعل الله تعالى ذكره ذلك لكل مطلقة، ولم يخصص منهن بعضا دون بعض. فليس لأحد إحالة ظاهر تنزيل عام، إلى باطن خاص، إلا بحجة يجب التسليم لها" (?).
قوله تعالى: {مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِين} [البقرة: 236]، أي: " تمتيعاً بالمعروف حقّاً على المؤمنين المحسنين" (?).
قال المراغي: "وجعل هذه المتعة حقا واجبا على من يريد الإحسان في معاملة المرأة بما يتعارفه الناس بينهم" (?).
قال البغوي: " أي: بما أمركم الله به من غير ظلم" (?).
قال القرطبي: " أي يحق ذلك عليهم حقا" (?).
قال ابن حجر: " المتاع: ما يتمتع به، أي: ينتفع" (?).
و{الْمُحْسِنِينَ} أي على فاعلي الإحسان، و (الإحسان) هنا ما كان موافقاً للشرع؛ فإذا قرن بـ (العدل) صار المراد بـ (الإحسان) الفضل الزائد على العدل، كما في قوله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} [النحل: 90]؛ فـ (الإحسان) تارة يراد به موافقة الشرع - ولو كان شيئاً واجباً -؛ وتارة يراد به ما زاد على الواجب؛ وهذا إذا قُرن بـ «العدل» (?).
وذكر العلماء بأن " الحكمة في شرع هذه المتعة، أن في الطلاق قبل الدخول امتهانا وسوء سمعة لها، لأن فيه إيهاما للناس بأن الزوج ما طلقها إلا وقد رابه شاء من أخلاقها، فإذا هو متعها متاعا حسنا تزول هذه الغضاضة، ويكون ذلك شهادة لها بأن سبب الطلاق كان من قبله لا من قبلها ولا علة فيها، فتحتفظ بما كان لها من صيت وشهرة طيبة، ويتسامع الناس ويقولون إن فلانا أعطى فلانة كذا وكذا فهو لم يطلقها إلا لعذر وهو معترف بفضلها، لا أنه رأى فيها عيبا، أو رابه من أمرها شاء، فيكون ذلك كالمرهم لجرح القلب، وجبر وحشة الطلاق.
وقد أثر عن الحسن السبط، أنه متّع إحدى زوجاته بعشرة آلاف درهم فقالت: "متاع قليل من حبيب مفارق" (?).
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: جواز طلاق الرجل امرأته قبل أن يمسها؛ لقوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن}؛ وربما يشعر قوله تعالى: {لا جناح} أن الأولى عدم ذلك؛ لأن طلاقه إياها قبل أن يمسها وقد خطبها، وقدم إليها الصداق فيه شيء على المرأة، وغضاضة، وإن كان الإنسان قد يتأمل في أمره، وتضطره الأمور إلى الطلاق فإنه لا ينبغي أن يكون متسرعاً متعجلاً.