وعلى هذا القول فإن معنى الرجيم: أي: المرجوم بالنجوم؛ فصرف عن المرجوم إلى الرجيم، كما تقول العرب: طبيخ وقدير، والأصل: مطبوخ ومقدور؛ وكذلك: جريح وقتيل، أصلهما: مقتول ومجروح، فصرفا من مفعول إلى فعيل. قال امرؤ القيس (?):
فظل طهاة اللحم من بين منضج ... صفيف شواء أو قدير معجل
أراد: مقدور معجل، فصرف عن مفعول إلى فعيل" (?).
والثالث: وقيل: رجيم بمعنى راجم، لأنه يرجم الناس بالوساوس (?).
والرابع: وقيل: أن الرجيم: المرجوم، أي المشئوم المسبوب (?)، فيكون من قول الله عز وجل {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ} [مريم: 46]، معناه: لأشتمنك ولأسبنك (?).
ومنه الحديث الذي يروى عن عبد الله بن مغفل أنه أوصى بنيه عند موته، فقال: "لا ترجموا قبري" (?)، فمعناه: لا تنوحوا عند قبري. أي: لا تقولوا عنده كلاما سيئا سمجا (?).
وقيل: وُصف الشيطان بذلك لأن أتباعه يرجمونه في النار، والرجم أصله الرمي بالحجارة، والشيطان مرجوم بالقول وبالفعل:
بالقول: بالسب والشتم والذم ويلحق به كل قول قبيح.
وبالفعل: أن رجمه الله أي طرده وأبعده من رحمته، ويرجم بالشهب كما قال تعالى {إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ} [6 ـ 10 الصافات].
قال ابن كثير: "والأول أشهر وأصح" (?).
وفي حكم (الإستعاذة) قولان:
أحدهما: أنها مستحبة: يرى أهل العلم بأن حكم الإستعاذة مستحبة قبل قراءة القرآن، قال الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98].
والثاني: أنها واجبة: وذلك، أخذًا بظاهر الأمر في الآية. عطاء بن أبي رباح، وابن حزم (?).
والصحيح أنها مستحبة، فلا يضر تركها في الصلاة عمداً أو نسيانياً، وهو قول جمهور العلماء (?).
قال الشافعي: " وكان بعضهم يتعوذ حين يفتتح قبل أم القرآن، وبذلك أقول، وأحبّ أن
يقول: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، وإذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وأي كلام استعاذ به، أجزأه، ويقوله في أول ركعة.