قال الراغب: " وذكر جماعة من الفقهاء أن قوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} أمر وإن كان لفظه خبراً، لأنه لو كان خبراً لم يقع مخبره بخلافه، وهذه قضية إنما تصح في كل خبر لفظه لا يحتمل التخصيص، فأما إذا كان عاما يمكن أن يخصص على وجه يخرج من كونه كذباً، فادعاء ذلك فيه ليس بواجب، وهذه الآية مما يمكن ذلك فيه، ثم ذلك لو كان أمرا لكان أمراً للوالدات، وقد علم أن الأم وإن لم تكن مكلفة فهي أحق برضاعها، فإن قيل: فإذا لم يكن أمرا فما وجهه؟

قيل أخبر الله تعالى أن حكم الله في ذلك أن الوالدات أحق بإرضاع أولادهن سواء كانت في حبالة الزوج أو لم تكن، فإن الإرضاع من خصائص الولادة، لا من خصائص الزوجية، ولهذا قال عليه السلام: في الأمر إنها أحق بالولد ما لم تتزوج" (?).

ثم أكد الله هذين الحولين بقوله تعالى: {كاملين} أي بدون نقص (?).

قال الطبري: "وإنما ذكر {كاملين}، لأنه قد يقال: فلان فعل كذا سنتين " وإن كان ذلك في سنة وبعض الأخرى، وكذا يقال: شهرين ويومين، فأريد إزالة هذه الشبهة، وقال الفقهاء: لما جعل الرضاع حولين وقال في موضع: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}، نبه على أن الولد قد يولد لستة أشهر، وفيه تنبيه على لطيفة، وهو أن الولد متى كان زمان حمله وفاصله أقل ثلاثين شهرا أضر ذلك به، فإذا ولد لسبعة أشهر لم يضره أن ينقص رضاعه عن الحولين، وجعل ابن عباس ذلك حكما شرعياً، وقال: يجب أن يكون الحمل والرضاع هذا القدر" (?).

والحول السنة، قاله مجاهد (?)، وفي أصله قولان (?):

أحدهما: أنه مأخوذ من قولهم: حال الشيء إذا انقلب عن الوقت الأول ومنه قيل: تحول فلان من مكان كذا، إذا انتقل عنه.

والثاني: أنه مأخوذ من التحول عن المكان، وهو الانتقال منه إلى المكان الأول.

قوله تعالى: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233]، " أي: إِذا شاء الوالدان إتمام الرضاعة ولا زيادة عليه" (?).

قال الراغب: "أي: هذا التوقيت ليس بفرض، لكن لمن أراد إتمام الرضاعة، وفيه تنبيه أنه لا وفيه تنبيه أنه لا يجوز تجاوز ذلك وأن لا حكم للرضاع بعد الحولين ويقويه ما روي جابر أنه قال عليه السلام: " لا رضاع بعد حولين كاملين" (?) (?).

قال ابن عثيمين: لمن أراد" أن يأتي بها على وجه التمام؛ فإنها لا تنقص عن حولين" (?).

واختلف أهل التفسير فيما دلت عليه هذه الآية من رضاع حولين كاملين، على قولين (?):

أحدهما: أن ذلك في التي تضع لستة أشهر فإن وضعت لتسعة أشهر أرضعت واحداً وعشرين شهراً، استكمالاً لثلاثين شهراً، لقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} [الأحقاف: 15]، وهذا قول ابن عباس (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015