إنما النزاع هنا فى رجل قال لامرأته: أنت طالق ولم يلحق به أو بها مانع من هذه الموانع يبطل تلفظه بالطلاق. فلا هى حائض ولا هو قد جامعها فى مدة طهرها ولا هو متلبس بغضب أو سكر أو إكراه.

فإن كانوا يقصدون عدم وقوع الطلاق بهذه الصور بحيث يدور مذهبهم فى فلكها ولا يخرج عنها وحاله التقييد بما جاءت به النصوص فى الكتاب والسنة فاللهم نعم وأيدينا على أيديهم. فهذا هو الذى عليه فقهاء السلف من الصحابة رضوان الله عليهم وممن تبعهم بأحسان.

أما إطلاق القول بعدم وقوع الطلاق دون توثيق فهو قول ظاهر البطلان، عار من البرهان ولا تقوم به حجة ولا تصلح معه محجة.

الثاني: فوقوع الطلاق بالقول الصريح هو حكم الله وحكم رسوله وعليه أجمعت الأمة وهو ظاهر بيّن ليس دونه سحاب، وعليه جماهير أهل العلم وعليه استقرت الفتوي وانتشر في الأفاق أنتشار الهواء في جو السماء، وحضوره في دواوين أهل العلم لا يخفى على بصير.

فالله تعالى يقول {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] نص عام لم يشترط الله تعالى لإيقاع الطلاق به كتابةً أو إشهاداً أو توثيقاً. فمن اشترط لإيقاع الطلاق شيئا من ذلك فقد تعدى وأدخل فى الدين ما ليس فيه لقوله صلى الله عليه وسلم "ما بال أناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له، وإن شرطه مئة مرة، شرط الله أحق وأوثق" (?).

ب- قالوا أن الحكم بإيقاع الطلاق اللفظى دون توثيق هو فى الحقيقة دعوة للزنا صراحة، لإنه لو طلق رجل امرأته وسافر إلى بلد أخرى وتركها، لن تسطيع أخذ حقها قانونا -لأن المحاكم مكدسة بالقضايا – فلن تستطيع إثبات الطلاق والبتالى لو غاب عنها مدة طويلة لن تستطيع الزواج من آخر ومعظمهم يصبرون على هذا الأمر، والبعض الآخر ينحرف عن الطريق السليم.

والجواب عنه:

أن هذا استدلالٌ باطل وحجةٌ واهية وتعاطف مذموم وليس في محله، لقد جعل الشرع الحكيم مخارجاً وسبلاً شرعية ومحكمة تكفل معالجة هذه المشكلات التي يصنعها إهمال الزوج تارة وغضبه تارة أخرى، كإقامة البينة على أن زوجها طلقها أو الاختلاع منه أو غير ذلك من السبل، فالشاهد أن الله تعالى لم يترك لأحد من خلقه التشريع لعباده ولا التبديل فى دينه بل أختص به دون خلقه فلا تجد أية تضرب أية ولا حديثا يخالف حديثا ولا إجماعا يضاد مصلحةً للمسلمين ولا نقصا يخل دينا، يقول الله تعالى {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، ويقول تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38].

يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله في المستصفى: " لأنا رددنا المصلحة إلى حفظ مقاصد الشرع، ومقاصد الشرع تعرف بالكتاب والسنة والإجماع، فكل مصلحة كل مصلحة لا ترجع إلى حفظ مقصود فهم من الكتاب أو السنة أو الإجماع وكانت من المصالح الغريبة التي لا تلائم تصرفات الشرع فهي باطلة مطرحة، ومن صار إليها فقد شرع كما أن من استحسن فقد شرع " (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015