والثالث: أن اللغو: من الأيمان التي يحلف بها صاحبها في حال الغضب، على غير عقد قلب ولا عزم، ولكن وُصْلةً للكلام. قاله ابن عباس (?)، وطاوس (?).
واحتجوا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يمين في غضب" (?).
والرابع: أن اللغو في اليمين: الحلفُ على فعل ما نهى الله عنه، وترك ما أمر الله بفعله. وهذا قول سعيد بن جبير (?)، وابن عباس (?)، وسعيد بن المسيب (?)، وأبي بكر (?)، وعروة بن الزبير (?) ومسروق (?)، والشعبي (?).
واحتج هؤلاء بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من نذر فيما لا يملك فلا نذر له، ومن حلف على معصية لله فلا يمين له، ومن حلف على قطيعة رَحِمٍ فلا يمينَ له " (?).
وبما روي "عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمينِ قطيعةِ رحم أو معصية لله، فبِرُّه أن يحنَث بها ويرجع عن يمينه" (?).
والخامس: أن اللغو من الأيمان: كل يمين وصَل الرجل بها كلامه، على غير قصدٍ منه إيجابَها على نفسه. قاله إبراهيم (?)، ومجاهد (?)، وعائشة (?) في رواية عروة عنها.
واستندوا بحديث الحسن بن أبي الحسن، قال: "مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم ينتضلون - يعني: يرمون - ومع النبي صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه، فرمى رجل من القوم فقال: أصبت والله، وأخطأت! فقال الذي مع النبي صلى الله عليه وسلم: حنث الرجل يا رسول الله! قال: كلا أيمان الرُّماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة" (?).
والسادس: أن اللغو من الأيمان، ما كان من يمينٍ بمعنى الدعاء من الحالف على نفسه: إن لم يفعل كذا وكذا، أو بمعنى الشرك والكفر. وهذا قول زيد بن أسلم (?)، وابن زيد (?).
والسابع: أن اللغو في الأيمان: ما كانت فيه كفارة. قاله ابن عباس (?)، والضحاك (?).
والثامن: أن اللغو من الأيمان: هو ما حنث فيه الحالف ناسيًا. قاله إبراهيم (?).
والراجح-والله أعلم- أن الأيمان اللاغية، هي "التي يتكلم بها العبد، من غير قصد منه ولا كسب قلب، ولكنها جرت على لسانه كقول الرجل في عرض كلامه: "لا والله "و "بلى والله "وكحلفه على أمر ماض، يظن صدق نفسه، وإنما المؤاخذة على ما قصده القلب، وفي هذا دليل على اعتبار المقاصد في الأقوال، كما هي معتبرة في الأفعال" (?).
و(الأيْمان): "جمع يمين، واليمين الحلف، وأصله أن العرب كانت إذا تحالفت أو تعاقدت أخذ الرجل يمين صاحبه بيمينه، ثم كثر ذلك حتى سمي الحلف والعهد نفسه يمينا. وقيل: يمين فعيل من اليمن، وهو البركة، سماها الله تعالى بذلك لأنها تحفظ الحقوق. ويمين تذكر وتؤنث، وتجمع أيمان وأيمن، قال زهير:
فتجمع أيمن منا ومنكم" (?)
قوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225]، أي: ولكن يعاقبكم بما اقترفته قللوبكم بالقصد إليه وهي اليمين المعقودة (?).
قال الطبري: يعني "ما تعمدت" (?).
قال الزجاج: " أي بعزمكم على ألا تبروا وألا تتقوا، وأن تعتلوا في ذلك بأنكم قد حلفتم" (?).
قال الواحدي: " أي: عزمتم وقصدتم، لأن كسب القلب العقد والنية" (?).
قال الطبراني: " بما عزمتم وقصدتُم وتعمدتُم؛ لأن كَسْبَ القلب العقدُ والنيةُ" (?).
قال البغوي: " أي عزمتم وقصدتم إلى اليمين، وكسب القلب العقد والنية" (?).
قال القاسمي: " أي: تعمدته قلوبكم فاجتمع فيه، مع اللفظ، النية" (?).