قال الزركشي (ت: 794 هـ): " وقد ينزل الشيء مرتين تعظيما لشأنه، وتذكيرا به عند حدوث سببه خوف نسيانه، وهذا كما قيل في الفاتحة نزلت مرتين، مرة بمكة، وأخرى بالمدينة" (?).
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت: ق 11 هـ): "مكية مدنية؛ لأنها نزلت مرتين مرة بمكة حين فرضت الصلاة ومرة بالمدينة حين حولت القبلة." (?).
القول الرابع: أن نصفها الأول نزل بمكة ونصفها الآخر نزل بالمدينة:
وحكى أبو اللّيث السّمرقنديّ: " أنّ نصفها نزل بمكّة ونصفها الآخر نزل بالمدينة" (?).
قال ابن كثير: "وهو غريبٌ جدًّا، نقله القرطبيّ عنه (?) " (?).
والصحيح أنَّها أُنزلت بمكَّة، وذلك لأمرين (?):
أحدهما: فإنَّ سورة (الحِجْر) مكِّيَّةٌ بالإجماع، وقد أنزل الله فيها: {وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ}] الحجر: 87]، وقد فسَّرها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالفاتحة، فعُلم أنَّ نزولهَا متقدمٌ على نزول (الحِجْر).
والثاني: وأيضًا فإنَّ الصَّلاةَ فُرضت بمكَّة، ولم يُنقل أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابَه صلَّوا صلاةً بغير فاتحة الكتاب أصلاً، فدلَّ على أنَّ نزولهَا كان بمكَّةَ.
قال ابن رجب: "وأمَّا الرِّواية بأنَّها أوَّل سورة أُنزلت من القرآن فالأحاديث الصَّحيحة تردُّه" (?).
وأما عدد آياتها، "فهي سبعُ آياتٍ كما دلَّ عليه قولُه تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} الحجر: 87]، وفسَّرها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالفاتحة، ونقل غيرُ واحدٍ الاتفاق على أنَّها سبعٌ، منهم ابنُ جرير (?) وغيرُه" (?).
واختلف أهل العلم في الآي التي صارت بها سبع آيات، وفيه قولان (?):
أحدهما: أنها صارت سبع آيات بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وها قول عظم أهل الكوفة.
قال الطبري: "وقد رُوي ذلك عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين" (?).
والثاني: أنها سبع آيات، وليس منهن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ولكن السابعة {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}. وذلك قول عُظْم قَرَأةِ أهل المدينة ومُتْقنيهم.
وفي عددها قولان شاذّان (?):