انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، أو مباحًا فمباح، كقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2]، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ} [الجمعة: 10] وعلى هذا القول تجتمع الأدلة، وقد حكاه الغزالي وغيره، واختاره بعض أئمة المتأخرين، وهو الصحيح" (?).
وقد اختلف أهل التفسير في تفسير قوله: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222] (?):
أحدها: أن معنى ذلك: فأتوا نساءكم إذا تطهَّرن من الوجه الذي نهيتُكم عن إتيانهن منه في حال حيضهن، وذلك: الفرجُ الذي أمر الله بترك جماعهن فيه في حال الحيض. وهذا قول ابن عباس (?)، وعكرمة (?)، وسعيد بن جبير (?)، ومجاهد (?)، وقتادة (?)، وإبراهيم (?).
قال ابن كثير: " وفيه دلالة حينئذ على تحريم الوطء في الدبر" (?).
والثاني: أن المعنى: فأتوهن من الوجه الذي أمركم الله فيه أن تأتوهن منه. وذلك الوجه، هو الطهر دون الحيض. فكان معنى قائل ذلك في الآية: فأتوهنّ من قُبْل طُهرهنّ لا من قُبْل حيضهن. وهو قول أبي رزين (?)، والضحاك (?)، والسدي (?)، وأحد قولي: عكرمة (?)، وقتادة (?)، وابن عباس (?).
الثالث: أن المراد: فأتوا النساء من قِبل النكاح، لا من قِبل الفُجور. وهو قول ابن حنيفة (?).
قال ابن عثيمين: " والمراد بالإتيان الجماع - كني بالإتيان عن المجامعة -؛ والأمر هنا للإباحة" (?).
وقد ذكر العلماء في معنى {مِن} في قوله: {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]، وجهين (?):
أحدهما: أنها بمعنى (في)، "كما في قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9]، أي في يوم الجمعة، وقوله {مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} [فاطر: 40] أي في الأرض" (?).
فيكون المعنى: فأتوهن في المكان الذي أمركم الله بإتيانه؛ وهو الفرج.
والثاني: أنها للابتداء؛ فهي على بابها؛ أي: "فأتوهن من هذه الطريق من حيث أمركم الله؛ وهو أن تطؤوهن في الفروج؛ لقوله تعالى في الآية بعدها: {نساؤكم حرث لكم} [البقرة: 223]، و (الحرث): "هو موضع الزرع؛ وموضع الزرع هو القبل؛ فيكون معنى قوله تعالى: {فأتوهن من حيث أمركم الله} أي من قُبُلهن؛ وليس من الدبر" (?)