ودليل هذا القول ما أخرجه الطبري بسنده عن شهر بن حوشب قال: "سمعت عبد الله بن عباس يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء، إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات، وحرَّم كل ذات دين غير الإسلام، وقال الله تعالى ذكره: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [سورة المائدة: 5]، وقد نكح طلحة بن عبيد الله يهودية، ونكح حذيفة بن اليمان نصرانية، فغضب عمر بن الخطاب رضي الله عنه غضبًا شديدًا، حتى همّ بأن يسطُو عليهما. فقالا نحن نطلِّق يا أمير المؤمنين، ولا تغضب! فقال: لئن حل طلاقُهن لقد حل نكاحهن، ولكن أنتزعهن منكم صَغَرة قِماءً" (?).
والصواب-والله أعلم- ما قاله قتادة: " بأن الله تعالى عنى بقوله: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ}، من لم يكن من أهل الكتاب من المشركات وأن الآية عام ظاهرها خاص باطنها، لم ينسخ منها شيء وأن نساء أهل الكتاب غير داخلات فيها، وذلك أنّ الله تعالى ذكره أحل بقوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} - للمؤمنين من نكاح محصناتهن، مثلَ الذي أباح لهم من نساء المؤمنات" (?).
قوله تعالى: {وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة: 221]، أي: وامرأة مؤمنة " خير وأفضل من حرة مشركة، ولو أعجبتكم المشركة بجمالها ومالها وسائر ما يوجب الرغبة فيها، من حسب أو جاه أو سلطان" (?).
قال القرطبي: " إخبار بأن المؤمنة المملوكة خير من المشركة، وإن كانت ذات الحسب والمال" (?).
قال الطبري: أي: " وإن أعجبتكم المشركة من غير أهل الكتاب في الجمال والحسب والمال، فلا تنكحوها، فإن الأمة المؤمنة خيرٌ عند الله منها، ولا تبتغوا المناكح في ذوات الشرف من أهل الشرك بالله، فإنّ الإماء المسلمات عند الله خير مَنكحًا منهن" (?).
قال ابن عثيمين: أطلق الخيرية ليعم كل ما كان مطلوباً في المرأة؛ {ولو أعجبتكم} أي سرتكم، ونالت إعجابكم في جمالها، وخلقها، ومالها، وحسبها، وغير ذلك من دواعي الإعجاب" (?).
قال الشوكاني: " أي ولرقيقة مؤمنة، [خير من مشركة]، ولو أعجبتكم المشركة من جهة كونها ذات جمال أو مال أو شرف" (?).
وقيل المراد بالأمة: الحرة، لأن الناس كلهم عبيدالله وإماؤه والأول أولى لما سيأتي لأنه الظاهر من اللفظ ولأنه أبلغ فإن تفضيل الأمة الرقيقة المؤمنة على الحرة المشركة يستفاد منه تفضيل الحرة المؤمنة على الحرة المشركة بالأولى (?).
قال الراغب: " ونبه بقوله: {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} أن الاعتبار بإعجابكم، فليس الإعجاب إلا من ثمرة الجهل بحقيقة الشيء والجهل لا يوجب حكماً، فإذن لا اعتبار بإعجابكم" (?).
فإن قيل: كيف جاءت الآية بلفظ: {خير من مشركة} مع أن المشركة لا خير فيها؟ فالجواب من أحد وجهين (?):