وفي قوله تعالى: {وَلْيُؤْمِنُوا بِي} [البقرة: 186]، وجهان من التفسير (?):
أحدهما: ليؤمنوا في أني أجيب دعاءهم. قاله أبو رجاء (?).
والثاني: أن ذلك دعاء إلى الإيمان بجملته.
قوله تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]؛ أي: " لكي يهتدوا" (?).
قال البيضاوي: أي: " راجين إصابة الرشد وهو إصابة الحق" (?).
قال الواحدي: " أي: ليكونوا على رجاء من إصابة الرشد" (?).
قال الربيع: " يقول: لعلهم يهتدون" (?). وروي عن أبي العالية (?) نحو ذلك.
قال السعدي: " أي: يحصل لهم الرشد الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة، ويزول عنهم الغي المنافي للإيمان والأعمال الصالحة. ولأن الإيمان بالله والاستجابة لأمره، سبب لحصول العلم كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} " (?).
و(الرشد): "يطلق على معانٍ: منها: حُسن التصرف، كما في قوله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم} [النساء: 6]؛ ولا شك أن من آمن بالله، واستجاب له فإنه أحسن الناس تصرفاً، ويوفّق، ويُهدى، وتُيسر له الأمور، كما قال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً} [الطلاق: 4]، وقال تعالى: {فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى} [الليل: 5 - 7] " (?).
قال المراغي: " الرشد والرشاد ضد الغىّ والفساد (?): أي إن الأعمال إذا صدرت بروح الإيمان يرجى أن يكون صاحبها راشدا مهتديا، أما إذا صدرت اتباعا للعادة وموافقة المعاشرين فلا تعدّ للرشاد والتقوى، بل ربما زادت فاعلها ضراوة في الشهوات، وفسادا في الأخلاق، كما يشاهد ذلك لدى الصائمين الذين يصومون تقليدا لآبائهم وعشيرتهم لا بإخلاص لربهم وابتغاء لمثوبته" (?).
وقيل: "الرَّشَد أخص من الرُّشْد، فإن الرشد يقال في الأمور الدنيوية والأخروية، والرَّشَد يقال في الأمور الأخروية لا غير، والراشد والرشيد يقال فيهما جميعا" (?).
وإن قيل فما وجه قوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} {أدعوني أستجب لكم} وقد يدعى كثيرا فلا يجيب؟ قلنا: اختلفوا في معنى الآيتين على أقوال (?):
أحدهما: أن معنى الدعاء ههنا الطاعة، ومعنى الإجابة الثواب.