أحدهما: أن الصوم في السفر خير من الفطر فيه والقضاء بعده.

والثاني: أن الصوم لمطيقه خير وأفضل ثواباً من التكفير لمن أفطر بالعجز.

وقد اختلف في الخطاب في قوله تعالى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184]، على وجوه (?):

أحدها: أن يكون هذا خطابا مع الذين يطيقونه فقط، فيكون التقدير: وأن تصوموا أيها المطيقون أو المطوقون وتحملتم المشقة فهو خير لكم من الفدية.

والثاني: أن هذا خطاب مع كل من تقدم ذكرهم، أعني المريض والمسافر والذين يطيقونه، وهذا أولى لأن اللفظ عام، ولا يلزم من اتصاله بقوله: {وعلى الذين يطيقونه} أن يكون حكمه مختصا بهم، لأن اللفظ عام ولا منافاة في رجوعه إلى الكل، فوجب الحكم بذلك وعند هذا يتبين أنه لا بد من الإضمار في قوله: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} وأن التقدير: فأفطر فعدة من أيام أخر.

والثالث: أن يكون قوله: {وأن تصوموا خير لكم} عطفا عليه على أول الآية فالتقدير: كتب عليكم الصيام وأن تصوموا خير لكم.

قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184]؛ أي: " إِن كنتم تعلمون ما في الصوم من أجر وفضيلة" (?).

قال الطبري: أي: "إن كنتم تعلمون خيرَ الأمرين لكم أيها الذين آمنوا، من الإفطار والفدية، أو الصوم على ما أمركم الله به" (?).

قال المراغي: أي: {إن كنتم تعلمون} " وجه الخيرية فيه وكونه لمصلحة المكلفين، لأن الله غنى عن العالمين" (?).

ويحتمل قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184]، وجهين (?):

أحدهما: إن كنتم تعلمون ما شَرَّعْتُه فيكم وَبَيَّنْتُه من دينكم.

والثاني: إن كنتم تعلمون فضل أعمالكم وثواب أفعالكم.

قال ابن عثيمين: "وهذه جملة مستأنفة؛ والمعنى: إن كنتم من ذوي العلم فافهموا؛ و {إن} ليست شرطية فيما قبلها - يعني ليست وصلية - كما يقولون؛ لأنه ليس المعنى: خيراً لنا إن علمنا؛ فإن لم نعلم فليس خيراً لنا؛ بل هو مستأنف؛ ولهذا ينبغي أن نقف على قوله تعالى: {خير لكم} " (?).

الفوائد:

1 - من فوائد الآية: أن الصوم أيامه قليلة؛ لقوله تعالى: {أياماً معدودات}.

2 - ومنها: التعبير بكلمات يكون بها تهوين الأمر على المخاطب؛ لقوله تعالى: {أياماً معدودات}.

3 - ومنها: رحمة الله عز وجل بعباده؛ لقلة الأيام التي فرض عليهم صيامها.

4 - ومنها: أن المشقة تجلب التيسير؛ لقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر}؛ لأن المرض، والسفر مظنة المشقة.

5 - ومنها: جواز الفطر للمرض؛ ولكن هل المراد مطلق المرض - وإن لم يكن في الصوم مشقة عليه؛ أو المراد المرض الذي يشق معه الصوم، أو يتأخر معه البرء؟ الظاهر الثاني؛ وهو مذهب الجمهور؛ لأنه لا وجه لإباحة الفطر بمرض لا يشق معه الصوم، أو لا يتأخر معه البرء؛ هذا وللمريض حالات (?):

طور بواسطة نورين ميديا © 2015